أخلاق منجية:
العِزَّة من رسوخ
اليقين وقوة الدين
 تاريخ النشر : الخميس ٢ أغسطس ٢٠١٢
بقلم: د. نظمي خليل أبوالعطا
العزة من الخلق الإيماني العظيم، وهي حالة مانعة للإنسان من ان يُغلب. واذا كان الله سبحانه وتعالى هو الموصوف بالعزة التامة المطلقة فإنه سبحانه هو الذي يهب العز لمن يشاء من عباده، والعزيز من عباد الله هو من يحتاج إليه عباد الله في أهم أمورهم وهي الحياة الأخروية، والسعادة الأبدية وذلك مما يقل وجوده، ويصعب ادراكه وهذه رتبة الانبياء صلوات الله عليهم أجمعين.
وعزة الله تعالى متضمنة لعزة القوة: الدال عليها من اسمائه القوي المتين، وعزة الامتناع: فإنه الغني بذاته فلا يحتاج إلى أحد ولا يبلغ العباد ضره فيضرونه ولا نفعه فينفعونه، بل هو الضار النافع المعطي المانع وعزة القهر والغلبة لكل الكائنات فهي كلها مقهورة لله خاضعة لعظمته منقادة لإرادته، فجميع نواصي المخلوقات بيده، لا يتحرك منها متحرك ولا يتصرف متصرف إلا بحوله وقوته وإذنه فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله وقال ابن الجوزي رحمه الله: قال بعض المفسرين: العزة في القرآن على ثلاثة أوجه: أحدها: العظمة ومنه قوله تعالى: "وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون" (الشعراء ٤٤)، "قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين" (ص ٨٢)، والثاني المنعة: ومنه قوله تعالى: "أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا" (النساء ٣٩)، والثالث: الحمية: ومنه قوله تعالى: "وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم" (البقرة ٢٠٦).
بينت الآيات القرآنية ان العزة من صفات الله ـ عز وجل ـ وهي مقترنة بحكمته تعالى: قال تعالى: "وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم" (البقرة ٢٦٠).
وقال تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم" (المائدة ٣٨).
وقال تعالى: "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" (المائدة ١١٨). وقال تعالى: "ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله والله عزيز حكيم" (لقمان ٢٧).
وعزة الله سبحانه وتعالى مقترنة برحمته قال تعالى: "الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون× يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون× ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم" (السجدة ٤ـ ٦).
وعزته مقترنة بقوته سبحانه قال تعالى: "فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز" (هود ٦٦).
وعزة الله سبحانه مقترنة بالعلم قال تعالى: "فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم" (الانعام ٩٦).
وقال تعالى: "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم" (يس ٣٨).
وهي مقترنة بالمغفرة والحمد والهبة والجبروت. ووردت الأحاديث النبوية العديدة في العزة فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال: "بينا أيوب يغتسل عريانا فخر عليه جراد من ذهب، فأخذ أيوب يحتثي (أي يأخذ بيده) في ثوبه فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى وعزتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك" رواه البخاري.
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):" ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين" رواه الترمذي.
وعن أبي ريحانة ـ رضي الله عنه ـ ان النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "من انتسب إلى تسعة اباء كفار يريد بهم عزا وفخرا، فهو عاشرهم في النار" رواه البخاري في التاريخ الكبير.
وعن عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "يطوي الله ـ عز وجل ـ السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأراضين بشماله ثم يقول: أنا الملك اين الجبارون؟ أين المتكبرون؟". رواه البخاري ومسلم.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): يقول الله سبحانه: "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري. من نازعني واحدا منهما ألقيته في جهنم" رواه مسلم.
ووردت الآثار في العزة ومنها ما ورد عن طارق بن شهاب قال: خرج عمر بن الخطاب إلى الشام ومعنا أبوعبيدة بن الجراح فأتوا على مخاضة وعمر على ناقة له، فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبوعبيدة: يا أمير المؤمنين، أنت تفعل هذا؟ تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة؟ ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك. فقال عمر أوْهٍ (كلمة ضجر)، لو يقل ذا غيرك أباعبيدة جعلته نكالا لأمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله. رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي.
والعزة من مظاهر الرجولة والشهامة وهي تورث العفة والنزاهة، وتنمي الفضيلة وتمحق الرذيلة وبها تستجلب المكارم وتستدفع المكاره وهي دلالة الثقة بالله العزيز ومظهر من مظاهر رسوخ اليقين والقوة في الدين وهي من مكارم صفات الاسلام والمسلمين.
فعلينا تعلم العزة وتطبيقها في حياة أبنائنا وان نبعدهم عن الكبر والاخلاق المذمومة.
المصدر: موسوعة نضرة النعيم في مكارم اخلاق الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، مرجع سابق، (ج٧)، (ص ٢٨١٩).
.
مقالات أخرى...
- الصائم وكف الجوارح عن القبائح (١) - (2 أغسطس 2012)
- قصة الأمان الباقي للمسلمين في الدنيا - (2 أغسطس 2012)
- الصيام وتربية المسلم على الرحمة - (2 أغسطس 2012)
- فيوضات الفائزون في رمضان - (2 أغسطس 2012)
- فوائد القصص القرآني - (1 أغسطس 2012)
- أخلاق منجية: الطمأنينة من أسباب السعادة ودليل صحة الدين - (1 أغسطس 2012)
- الصيام والتكامل الاجتماعي - (1 أغسطس 2012)
- الشباب والقدوة أبو بكر الرازي (١) - (1 أغسطس 2012)
- الصلاة في الشرائع القديمة - (1 أغسطس 2012)