الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٦٤ - الأحد ٢٩ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٦ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

التحقيقات

تضامنا مع النواب
المجتمع بكل طوائفه يستنكر تحريض المنابر





طالب مجلس النواب مؤخرا بتطبيق القانون على جميع مستغلي المنابر للتحريض على العنف والدعوة إلى القتل بلا استثناء، نظرا الى ان احد الخطباء دعا صراحة في خطبة الجمعة بإحدى القرى إلى قتل رجال الأمن الذين يقومون بواجبهم لحفظ البلاد وتنفيذ القانون.

وإذا كانت لعبة السياسة لا أخلاق لها، فالدين جاء بمكارم الأخلاق ونادى بترسيخها، والخلط بينهما يرفضه العقل السليم والفطرة السوية، والمعروف ان الجميع يسير خلف رجال الدين من دون روية أو تفكير بصفتهم حاملين كتاب الله سبحانه وتعالى الذي يحض على مكارم الأخلاق، ونبذ العنف والنهى عن الإيذاء، قال الله في كتابه العزيز: «ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيما»، وروى احد الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم انه نظر إلى الكعبة وقال «لقد شرفك الله وكرمك وعظمك والمؤمن أعظم حرمة منك» أي ان قتل المسلم بغير حق من كبائر الذنوب وأن حرمة دم المسلم أعظم عند الله عز وجل من هدم الكعبة المشرفة، بل إن زوال الدنيا أهون عند الله من قتل المسلم بغير حق، ولأنه من المفترض ان رجال الدين الأجلاء الحاملين لكتاب الله يعلمون ذلك، فبالتالي فإن حسابهم عند الله سوف يكون اشد من سواهم الذين ينقادون لهم.

«أخبار الخليج» سلطت الضوء على هذا الموضوع الشائك الذي برز بقوة على السطح في الفترة الاخيرة، وذلك لمعرفة آراء عدد من المواطنين ورجال الدين والشوريين والنواب والقانونيين تجاه تطبيق القانون على المحرضين عبر المنابر الدينية والى أي حد تصل عقوبتهم وذلك خلال السطور التالية.

بداية يقول عضو مجلس الشورى دكتور الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة: ان من اخطر التحركات الإرهابية تلك التي تقودها المنابر الدينية، سواء كانت إسلامية أو غير ذلك، ففي الولايات المتحدة الأمريكية نجد ان التحريض على العنف من المنابر الدينية تصل عقوبته إلى حوالي ٢٠ سنة سجنا، وبالفعل طبقت الولايات المتحدة هذا القانون على الكثير من الإسلاميين المتواجدين في الولايات المتحدة الأمريكية، ومنهم الشيخ المصري عمر عبدالرحمن الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة بسبب تحريضه على العنف عبر المساجد وخلال صلاة الجمعة، ولم تتخذ الولايات المتحدة هذا الإجراء إلا لخطورة دور رجال الدين في دعم الإرهاب، فرجل الدين الواحد يستطيع ان يحرك مئات من الشباب المغرر بهم لينحدروا إلى الهلاك، فلو بدل رجل الدين موقفه هذا وعكسه لموقف مناهض للعنف لتبدلت خلافات كثيرة في المجتمع الواحد، فالتركيز يجب أن يكون على رجال الدين المحرضين للإرهاب، وكما رأيناهم في البحرين ،يستخدمون كلمات اقوى من القتل «كالسحق» ومن ثم يجب تطبيق القانون عليهم، خاصة عندما يستغل هؤلاء منابرهم ومكانتهم لتحقيق أهداف بعيدة عن الدين الإسلامي، في ظل استخدام أكاذيب كالدفاع عن العرض والمقدسات،وكأنما رجال الأمن قد اقتحموا هذه المقدسات،على الرغم من ان وجودهم في الشوارع لفك حصار المعتدين الإرهابيين.

قذارة السياسة

ويكمل: يجب ان يعلم رجال الدين أنهم عندما يخوضون غمار السياسة فإنهم يزجون بأنفسهم وبمكانتهم في وحل السياسة وقذارتها، ويجب ان يتوقعوا السب، والانتقاد والدم، وكل ما يتعرض له السياسي في المجتمع، فالدين أخلاق، أما من الناحية الشرعية فان هؤلاء يتحملون وزر دماء من سيقتلون ويتعرضون للاعتداء من أي طرف كان، وذنبهم اكبر عندما يطيعهم شبان يافعون متحمسون من دون علم بمجريات السياسة والحياة والدين، وما علينا في السلطة التشريعية إلا تشديد القوانين المتعلقة برجال الدين، وإرهابهم للمجتمع لتتماشى مع القوانين في الدول المتقدمة والديمقراطيات العريقة مثل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وتتماشى مع شدة الجرم الذي يرتكب في حق المواطنين فالشاب قد يقتل شخصا أو اثنان ولكن رجل الدين مسئوليته كل القتلى، بما فيهم الشباب المغرر بهم، وكل المعتدى عليهم من جميع الأطراف، وتقع هذه المسئولية كمسئولية دينية قبل ان تكون حياتية، فالله سبحانه وتعالى حرم قتل المسلم فما بالك بسحقه، ويجب الا ننسى في هذا المقام ما حدث من دهس لرجال الأمن حتى الموت وسحقهم كما نادى البعض.

فيما يؤكد النائب عبدالحكيم الشمري ان أي تحريض صادر من أي طرف بغرض تقويض الأمن، والاستقرار وتعطيل مصالح المجتمع، لابد ان يواجه بالقانون، بغض النظر عن مسمياتهم وسلطاتهم، فلا احد فوق سلطة القانون، وما تقوم به السلطات الأمنية بالبحرين إنما هو للمحافظة على مكتسبات جميع المواطنين بمن فيهم من يقوم على التحريض أو التخريب، فالدولة ملزمة بحسب المعاهدات الدولية والدساتير بصيانة حق الشعب ومتى ما فشلت الحكومة في القيام بهذا الدور أصبحت حكومة غير شرعية، وإننا نتعجب ان يصدر التحريض من الذين جعلوا من أنفسهم دعاة إصلاح، وطالبوا بحماية الأعراض وهم الذين يزجون بأعراضهم إلى الشارع، ان العمل السياسي الذي يطالبون به مكانه الجمعيات السياسية، والبرلمان وما لجوؤهم إلى الشارع إلا دليل على الإفلاس والرغبة في تغطية خسائرهم على ارض الواقع، إنني أناشد العقلاء منهم الرجوع عن هذا التوجه الذي لن يضر أحدا سواهم ويكفى ان سمعتهم قد شوهت أمام العالم اجمع وأصبحوا مثيري شغب.

وتوضح النائبة سوسن تقوس ان البحرين بها قوانين قوية جدا لمواجهة اي تسيب، وبالنسبة الى هذا الموضوع على وجه الخصوص فإن هناك قانونا يحرم التحريض والخطاب الديني الموجه الى جانب معين يهدد السلم الأهلي، وكل ما ينقصنا هو تطبيق هذا القانون.

رأي القانون

أما عن عقوبة المحرض على القتل من الناحية القانونية فتتحدث رئيسة جمعية المحامين جميلة سلمان قائلة: التحريض على العنف والكراهية من الجرائم التي تهدد الأمن والسلم العام، وقد يؤدى هذا التحريض إلى ارتكاب جرائم قد ترقى إلى الجنايات، وخاصة إذا نتج عن هذا التحريض إزهاق روح، وبالتالي تكون عقوبة المحرض مثل عقوبة الفاعل الأصلي باعتبار المحرض شريكا في الجرم، وبالتالي يكون العقاب واحدا، وبالنسبة الى قانون العقوبات البحريني فيما يتعلق بالتحريض فقد نصت المادة ١٧٠ بأنه يعاقب بالحبس من حرض مباشرة على ارتكاب جناية القتل، أو السرقة، أو الإتلاف أو الحريق، بأحد الطرق العلانية، إذا لم يترتب على التحريض اثر، كما نصت المادة ١٧٣ على ان يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة من حرض غيره بأحد طرق العلانية على عدم الانقياد للقوانين، وبالنسبة الى العقوبة فهي تعتمد على نوع الجريمة التي وقعت نتيجة للتحريض فإذا كانت بالقتل فتصل عقوبتها إلى الإعدام، ونخلص من ذلك بان القانون ليس قاصرا، ولكن المشكلة الأساسية في التطبيق، فيجب على السلطة ان تقوم بتحريك الإجراءات ضد المحرضين لأننا بلد المؤسسات والقانون ولا يجب ان يستثنى احد من تطبيق القانون، فأي شخص مهما بلغ موقعه في حالة ارتكابه لجريمة يجب ان يطبق عليه القانون، خاصة ان جرائم التحريض من الجرائم التي تهدد السلم والأمن الأهليين ولذلك تعد من الجرائم الخطيرة التي تهدد كيان الدولة، لذا يجب تحريك القضايا الجنائية على كل من يرتكب هذه الأفعال.

الدين والسياسة

ويرى استاذ الدراسات الاسلامية بجامعة البحرين وعضو المكتب السياسي بالتجمع الوطني ناجي العربي ان الحياة لا تستقيم بلا سياسة، لانها مفتاح ادارة شئون البلاد، ووظيفة الحاكم حفظ دين الناس ومصالحهم، ولا توجد سياسة بلا اخلاق، بل من يطبقوها هم الذين يفتقدون الاخلاق، وعلى من يعتلي المنبر لخطبة الجمعة ان يستشعر مسئولية انه يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى وان مهمته الاصلاح وليس التخريب ونشر الطائفية، والا يكون منتميا الى جهة ولا ينشد ضياع المجتمع.

ويكمل: وللاسف يوجد من يعتلون المنابر ولا يجدون من يحاسبهم على اقوالهم ليس لانهم على علم بما يقولون، بل لانهم يظهرون وكأنهم فوق الدولة والقانون، ومع الوقت يصدقون انفسهم ويعتقدون ان من حقهم قول ما يشاءون، وهنا يجب ان تقف لهم الدولة بمنتهى الحزم، من دون ان تظلم احد، ولكن ايضا لا يجب ان تكون ضعيفة لان ما يحدث يضر بمصالح الناس، لان الدعوة الى القتل والسحق اي التمثيل والتنكيل، يتطلب من الدولة التعامل مع الموقف على قدر خطورته، ومن يلتزم بشروط المواطنة له حق المواطن، ومن يخرج عنها يحاسب بالقانون.

يسيرون عكس الاتجاه

الدكتور شمسان المناعي بجامعة البحرين يقول: من الطبيعي ان يكون للمنابر الدينية وخصوصا وقت صلاة والتي يجتمع فيها المسلمون دورا كبيرا من الوعظ والإرشاد ومن يعتليها يقع عليه الدور الأكبر في نشر الأفكار الايجابية في المجتمع، أما من يقوم بالتحريض ونشر الفتن فإنه بلاشك يسير عكس الاتجاه الذي أوجد من أجله، وعلى الرغم من أنه على علم بأن التحريض هو فعل مشين وخصوصا «إذا كان من دعاة الفتنة بين المسلمين، لذلك لا يجب أن تكون هذه المنابر ملاذا لكل من يرغب فى شق الصف».

ويواصل: من هنا فإن تطبيق القانون أمر ملح وضروري لما من شأنه أن يسهم في تنظيم عملية الدفاع عن الوطن وصد كل من تسول له نفسه باستغلال هذه المنابر لخدمة الأغراض السياسية والتي هي بطبيعة الحال بعيدة كل البعد عن الدين، فرجل الدين الذي يعتلي هذه المنابر يجب أن يعي أهمية دوره في المجتمع ويقيم الأمور ودرجة تأثيرها على من يرتاد دور العبادة، فالناس في كثير من الأحيان تتخذ من هذا الإمام قدوة حسنة وتقتنع بكل ما يصدر عنه من توجيهات وبالتالي فإن الخطابات التحريضية ستسهم وبشكل كبير في تأجيج الشارع، خصوصا إن كلمته لها تأثير كبير جدا على عقلية الفرد ومن شأنها أن تسهم في هدم المجتمع وتعزيز مبدأ الاختلاف.

لذلك ندعو إلى سرعة العمل على تفعيل هذا القانون بالشكل المطلوب بعد أن كان حبرا على ورق حتى يقف كل من يرتكب هذه الأخطاء الجسيمة في حق الوطن عند حده لأن الوضع لو استمر على حاله فإنه بلا شك سيستمر التحريض وسيقضي على الوطن. الرادع الأساسي

الشيخ عبدالله المغابي يرى أن تطبيق القانون مهم جدا لكونه الرادع الأساسي لكل المتسببين في عملية التحريض مما سيجعله عبرة لمن لا يعتبر فهذا الأسلوب من التهكم والتحريض من شأنه أن يسهم في تهييج المجتمع وجره إلى الإرهاب وزرع الطائفية المقيطة خصوصا ان هناك عددا من الناس يمتثل إلى مثل تلك الرسائل لأنه يعتقد أنها الأصح لأنها بطبيعة الحال صادرة عن شيوخ الدين وبالتالي ستزيد نسب الإجرام والتعدي على الآخرين.

ويؤكد المقابي إن المنبر له قدسيته واحترامه ومن يعتليه عليه أن يزن أقواله قبل إطلاقها، لذلك فنحن مع هذا القرار الذي اتخذه مجلس النواب مؤخرا، وذلك من أجل الحفاظ على هيبة الدولة واحترام القانون وتعزيز سيادته، كما إنه سيسهم في الحفاظ على البلد من كل شخص يضمر الأذى للبحرين.

كما ان تفعيل بنود القانون من شأنه أن يسهم وبشكل كبير في تحقيق المزيد من الاستقرار لهذا الشعب والتصدي لكل من يقوم باستغلال نفوذه في الخارج، من خلال الخطاب الديني وتأجيج الشارع وهناك أمثلة كثيرة على بعض الأشخاص الذين قاموا بارتكاب هذا الخطأ وبعد أن تمت معاقبتهم توقفوا عن تلك التصرفات والأفعال السلبية.

استغلال المنابر

سلمان ناصر يقول: في اعتقادي ان البحرين وفي هذا التوقيت بالذات فى أشد الحاجة إلى تطبيق هذا القانون أكثر من ذي قبل ومن المؤسف انه في الفترة الأخيرة تم استغلال المنابر لغرض التحريض، وكانت النتيجة أن أصبح لدينا مخرجات من بعض دور العبادة تحمل بداخلها مبادئ مناهضة للمجتمع وتنطلق بروح عدوانية تجاهه، بل وصل الأمر بها إلى عدم قبول الآخر. لذلك فإن الاتجاه إلى تنفيذ قانون استغلال المنابر والتحريض على العنف ضروري جدا خصوصا بعد استغلال منابر المآتم الحسينية بشكل سلبي في الفترة الأخيرة والعمل على شحن المصلين والمراهقين وحثهم على الخروج عن المألوف مما ولد لدى البعض منهم المشاعر السلبية وعدم قبول الآخر بالإضافة إلى تسييس حياتهم الاجتماعية والعملية، وبالتالي فإن السلطة التشريعية مطالبة بضرورة العمل على إيجاد رقابة أكبر على خطباء المنابر والعمل على إنشاء لجنة مستقلة لتتولى التحقيق في عملية عدم تطبيق القانون.

ويضيف قائلا: إن الإنسان رقيب نفسه ومن يعتلي هذه المنابر عليه أن يتقي الله والا يقوم باستغلال وتجييش مشاعر الناس من خلال المنابر الدينية وتعزيز المفاهيم الخاطئة والاتهامات التي لا تمت للواقع بصلة، و ما نشهده اليوم من استهداف لشرطة حفظ النظام بشكل مباشر وحرمان الآخرين من ممارسة حياتهم الاجتماعية بشكل طبيعي خاصة في إجازات نهاية الأسبوع والتي يتعمد في الغالب الخارجين عن القانون بتعطيل الحياة بعد شحنهم من خلال المنابر الدينية، يجب أن يقف عند حد معين ولن يتحقق هذا الأمر إلا بإيقاف المتسبب فى هذه الافعال.

أمر ضروري

المهندس عبدالله راشد المعيلي يؤكد أن تفعيل بنود هذا القانون على أصحاب المنابر الذين يقومون بالتحريض على أعمال العنف والتخريب بات أمرا ضروريا، خصوصا وإن هذه الخطب التحريضية بعيدة كل البعد عن اختصاصات شيوخ الدين، فدورهم يتركز على الوعظ والإرشاد في كل الأمور التي تخص الفرد لحياته اليومية لا أن تكون هذه الخطب نارية فديننا الإسلامي لم يحث على هذا الأمر وبالتالي فإنها ليست من صميم أعمالهم، ففي ظل هذه الظروف يجب أن تكون خطبهم وعظية إرشادية لها دور كبير في تهدئة الشارع لا تأجيجه، لذلك يجب أن تقوم وزارة العدل والشؤون الإسلامية بصفتها المشرف الأول على خطباء السنة والشيعة، فالمجتمع البحريني بحاجة ماسة إلى الهدوء الذي كان يعيش فيه فالمجتمع بحاجة إلى الخطابات الدينية لا السياسية، ومن لديه خطبة سياسية يجب أن يبتعد بها عن الأماكن الدينية.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة