الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٧٢ - الاثنين ٦ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ١٤ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

التحقيقات

يقوم على الشراكة بين العام والخاص
اقتصاد السوق الاجتماعي.. المستقبل الجديد لللمملكة





اقتصاد السوق الاجتماعي هو الصورة الحقيقية لتحقيق مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهو ليس مصطلحا جديدا فقد أبصر النور بعد الحرب العالمية الثانية في محاولة للتوفيق بين الفعالية الاقتصادية التي توفرها المنافسة وبين الحاجة إلى العدالة الاجتماعية، واعتبره البعض بمثابة رد الرأسمالية على الأثر المحرض والجاذب للدول الاشتراكية ونموذجها في تقديم الخدمات الاجتماعية المجانية.

ويقوم اقتصاد السوق الاجتماعي على إطلاق حرية المنافسة ومراقبة تطور الاحتكارات، وخلق حالة من تكافؤ الفرص بين الهيئات والفعاليات الاقتصادية عبر استمرار دور الدولة في مراقبة آليات السوق والتدخل عندما يعجز الاقتصاد الحر عن تأدية مهمته بما في ذلك تسوية المشكلات الاجتماعية وتحقيق مكاسب واضحة للطبقة العاملة، ويمكن القول إن اقتصاد السوق الاجتماعي هو من حيث الجوهر محاولة للجمع بين قوانين الاقتصاد الحر كما عرفتها الرأسمالية وبين مبادئ تناقضها تتعلق بالجانب الاجتماعي في النظام الاشتراكي، حيث تحتل مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والضمانات الصحية والتعليمية المرتبة الأولى من سلم الاهتمامات.

وإذ يسمي البعض هذا الخيار بالليبرالية المنظمة وآخرون يرونه الرأسمالية الملطفة، يعتقد الكثيرون أنه أشبه بمحاولة لخط طريق ثالثة بين الرأسمالية والاشتراكية تتميز باستمرار حضور الدولة والقرار السياسي في صياغة ومراقبة العلاقة بين التنافس والتضامن وبين وحشية السوق والعدالة في الحياة.

لقد تنوعت أشكال الضبط الاجتماعي للسوق وتباينت بين تجربة وأخرى للتطور الاقتصادي ومن جهة أخرى تبعا لحدود الإمكانيات والقدرة على توجيه الإنفاق الاستثماري لتلبية الحاجات الاجتماعية، فعرفت ألمانيا حالة تفاهم بين أرباب العمل والنقابات لتقرير تسوية الأجور وتخصيص أموال وفيرة للتدريب وتطوير الكفاءات المهنية، في حين شكلت السويد منافسا حقيقيا للدول الاشتراكية من حيث طابع ونوعية المكتسبات المعيشية والصحية والخدمية التي تعم المجتمع.

ولكن ما هي أفضل الطرائق والسبل التي من الممكن أن يتم من خلالها إدخال مثل هذا النوع من النشاط الاقتصادي إلى سوق البحرين وجذب أكبر عدد من المستثمرين للمشاركة فيه وما هي الايجابيات التي من الممكن أن يتم تحقيقها من خلاله وستعود بالنفع على الاقتصاد المحلي؟

أخبار الخليج تسلط الضوء على هذا التوجه الذي تسعى مملكة البحرين إلى تطبيقه من خلال التحقيق التالي الذي أكد عدد من رجال الأعمال من خلاله أنه المستقبل الإيجابي للبحرين ومن شأنه أن يساهم وبشكل كبير في إنعاش الاقتصاد وتطويره.

نوع من التوازن

د. عاطف الشبراوي رئيس بنك التنمية يقول إن هذا النوع من الاقتصاد متميز جدا لأنه قادر على تحقيق نوع من التوازن بين المتطلبات الاقتصادية والمتطلبات الاجتماعية، ويعمل على تعزيز العناصر الإيجابية التي من شأنها أن تساهم في الدفع بعملية التنمية للبلد خصوصا أن الاقتصاد البحريني يتميز بالتنوع والتعددية، وبالتالي فإن التفكير في إدخال مثل هذا النوع من النشاط التجاري إلى السوق سيساهم في وضع المزيد من البرامج والآليات لخدمة المجتمع.

فعند التفكير بإدراج هذا النظام في البحرين فإنه بلا شك سينجح خصوصا أن الدولة بطبيعتها تتجه إلى الاقتصاد المتنوع فضلا عن عدم وجود ضرائب كثيرة على الأنشطة التجارية وبالتالي فإن هذا الأمر من شأنه أن يساهم في جذب عدد كبير من الشركات لتمارس هذا النشاط في البحرين، وعلى الجانب الآخر هناك توجه حقيقي من الدولة إلى استقطاب مثل هذا النوع من الاقتصاد إلى أراضيها لأن الاهتمام بالعنصر البشري هو الهدف الرئيسي لديها وبالتالي فإن هذه الاستثمارات لو تم تطبيقها في البحرين فإنها بلا شك ستضخ رؤوس أموال كبيرة، كما أن وجود مثل هذا النوع من الاستثمار سيكون لها دور واضح في إيجاد بيئة خصبة للاستثمارات.

من هنا يقع على الدولة دور مهم وضروري يتمثل في العمل على نشر المفاهيم الخاصة بمثل هذا النوع من الاستثمار حتى يقتنع أكبر عدد ممكن من التجار بأن يدخلوا فيه.

البحرين مهيأة لهذا التوجه

سيدة الأعمال سهير بوخماس تعمل في مجال الاستشارات والمشاريع، تحدثت من واقع خبرتها في مجال الشراكة بين القطاعين العام والخاص فقالت إن مثل هذا النوع من الاستثمار جيد جدا لو تم استقطابه للبحرين خصوصا أنه ليس بحديث بل كانت فكرته قديمة جدا وهناك عدد من المشاريع المنتشرة في دول العالم تدل على ذلك فمن أبرز الأمثلة مدينة كادبوري التي تم إنشاؤها بالقرب من المنطقة الصناعية في احدى الدول الأوروبية وذلك بالاتفاق على الحكومة على إنشاء مدينة متكاملة تصلح للسكن العائلي وبالفعل كانت الفكرة أكثر من رائعة فقد اشترى العمال تلك المنازل حتى يكونوا قريبين من عملهم، وهناك مثال آخر قامت دولة أخرى به وذلك بالتعاون مع القطاع الخاص فقد تم إنشاء مدينة للمتقاعدين في ايطاليا وغيرها من المشاريع الأخرى التي ساهمت في تحقيق اقتصاد اجتماعي حقيقي فنحن في البحرين لدينا مشروع شراكة بين القطاعين العام والخاص وهو محطة الكهرباء التي تم إنشاؤها من القطاع الخاص وتدفع التكلفة الحكومة.

إذاً فإن الالتفات إلى مثل هذا التوجه في المملكة سيساهم وبشكل كبير في التنمية والتطوير بشكل مستمر لأنه سيمنح الحكومة المجال وبشكل أكبر للتركيز والمتابعة المستمرة للمشاريع التطويرية، كما أنه سيساهم في الحفاظ على وتيرة نمو الاقتصاد التصاعدي مما يجعل المشاريع التنموية لا تتوقف لأن الشراكة مع القطاع الخاص لن تسمح بوجود عجز في الميزانية العامة للدولة وعلى الجانب الآخر سيكون هناك تطوير أكثر وتركيز في نوعية المشاريع المطروحة بالإضافة إلى سرعة إنجازها ولا يمكن أن ننسى أن سوق البحرين قادر على استقطاب الكثير من الشركات على المستويين المحلي والخارجي خصوصا أنها ستحقق نسب نجاح عالية جدا بحكم البيئة الاقتصادية في البحرين.

فكرة رائدة

رجل الأعمال عبدالحكيم الشمري يتفق معها في الرأي مؤكدا أهمية الاتجاه إلى الاقتصاد الاجتماعي ويقول لقد بدأت المؤسسات الاقتصادية الرائدة في العالم تستشعر أهمية المساهمة في التنمية الاجتماعية خاصة في المجتمعات التي تؤمن بمفهوم الشراكة المجتمعية الذي انطلق من المجتمع الغربي، فقد تولت الشركات الكبرى التي يعمل فيها آلاف الأفراد الكثير من الفِكَر المتميزة حيث تقوم هذه المؤسسات ببناء رياض الأطفال وتوفير قروض مالية ميسرة بمستوى أرباح متدن لتشجيع موظفيها أو المتقاعدين منها على استثمار أموالهم بما يعود بالنفع على الجميع، وقد دلت هذه الفِكَر على نجاح متميز في البلدان التي قامت بتطبيقها، ومن هذا المنطلق يمكننا أن نشبهها بنظام الوقف الإسلامي لدينا حيث يتم وقف العقارات والمزارع على أوجه الخير مع بقاء رأس المال ثابتا، وعلى الجانب الآخر نجد أن هناك عددا من المؤسسات في الفترة الأخيرة بدول الخليج قامت باستحداث أقسام خاصة لخدمة المجتمع وتشجيع الشباب من خلال حثهم على تقديم فِكَر متميزة تخضع فيما بعد للدراسة والتقييم من قبل المختصين ويتم اختيار أفضل تلك المشاريع فتمول من قبل هذه الشركة، فهناك عدد من المؤسسات المنتشرة في دول المجلس هدفها الأول دعم المجتمع وذلك ضمن الأهداف الشرعية والمشاركة في المخاطر التي تحيط بكل مشروع جديد.

بيئتنا جاذبة

سيدة الأعمال حنان سعيد ترى أن التطور الاقتصادي لن يتحقق إلا بإيجاد شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص لأن هذا العمل من شأنه أن يساهم وبشكل واضح في تطور أفراد المجتمع، لأن هناك الكثير من الأفكار والمشاريع التنموية التي لو تحققت ستحدث تغيرا جذريا في البحرين خصوصا أن رؤوس الأموال سيكون هناك ضخ متواصل لها، وبالتالي فإن المشاريع التنموية ستكون على نطاق أوسع، لذلك يجب أن يكون هناك تطلع إلى الإسراع في تفعيل مبادئ اقتصاد السوق الاجتماعي لما له من دور كبير في الارتقاء بالبلد بالإضافة إلى توفير مناخ اقتصادي سليم وشفاف يشجع على المنافسة وفق ضوابط معينة وأساليب عمل محددة يعمل من خلالها جميع الأطراف المعنية بالدخول في هذا المجال، كما ان البيئة الاقتصادية الجاذبة في البحرين من شأنها أن تستقطب عددا كبيرا من الشركات الأجنبية التي يتركز نشاطها التجاري في هذا المجال.

بحاجة ماسة إليه

من وجهة نظر رجل الأعمال محمود النامليتي أن السوق البحريني بحاجة ماسة إلى مثل هذا النوع من الممارسة التجارية التي من شأنها أن تخلق لنا نشاطا تجاريا واقتصاديا مغايرا عن كل ما هو موجود في الوقت الحالي، كما ان هذا النظام من شأنه أن يجذب الكثير من الاستثمارات الخارجية بل سيشجع القطاع الخاص في البحرين على البحث عن الشراكة مع الحكومة في المشاريع المختلفة التي سيكون لها دور كبير في تحقيق التنمية الشاملة.

ويقول النامليتي إن التاجر البحريني دائما يبحث عن الجديد نظرا لخبرته الواسعة باحتياجات السوق المحلي، لذلك فإن عملية طرح المزيد من المشاريع التطويرية سيكون لها دور كبير في دعم الاقتصاد البحريني والنهوض به بالإضافة إلى وجود مستمر لرؤوس الأموال، كما ان هذا الأمر سيشجع القطاع الحكومي على التعاون مع القطاع الخاص لطالما كان هناك انجاز للمشاريع في وقت قياسي. وهناك الكثير من التجارب الناجحة لمثل هذا النوع من الاقتصاد الذي قامت باعتماده الكثير من دول العالم.

داعم للشباب

عبدالله المعراج (موظف) يعلق قائلا إن المستقبل في الوقت الحالي للعمل الحر فعندما تتخذ الدولة قرارها وتتجه إلى مثل هذا النوع من الاقتصاد فإنها بذلك قد وضعت نفسها على بداية الطريق الصحيح خصوصا أن مبدأ الشراكة المجتمعية سيفتح المجال أمام الكثير من الشباب الذين يملكون فِكَرا رائعة ولا يستطيعون تطبيقها على أرض الواقع فسيقوم القطاع الخاص بتبني هذه الفِكَر لو كانت ناجحة ومتميزة ليتم عرضها على الحكومة التي بدورها ستوافق على تطبيقها فيما لو كانت مناسبة للمجتمع البحريني، إذاً فإن اقتصاد السوق الاجتماعي سيكشف الستار عن عدد كبير من المشاريع والفِكَر التنموية والتطويرية المتميزة فيما تم تطبيقه في البحرين بمثل ما طبق في مختلف دول العالم.

يوسف محمد، طالب في كلية إدارة الأعمال يعتقد أن اقتصاد السوق الاجتماعي سيكون ناجحا في البحرين لو تم تطبيقه بما يتناسب مع خصوصية المجتمع البحريني، خصوصا أن نجاح تجربة اقتصاد السوق الاجتماعي في العديد من دول العالم مثل ألمانيا واليابان وغيرهما يعتبر عاملا مشجعا للدول التي بدأت تدرس فكرة اقتحام هذا المجال.

ويضيف: ان الاهتمام بالمجتمع وتوجيه النشاط الاجتماعي لخدمته من شأنهما أن يساهما في تحسين الكثير من الأمور منها دخل الفرد وقضية البطالة بالإضافة إلى التقليل من عملية الاحتكار في الكثير من الأنشطة، لذلك لو نجحت الحكومة في الترويج لمثل هذا النوع من الاقتصاد فإنها بلا شك ستتمكن من تحقيق الكثير من المكتسبات وسيستشعر المواطن بأهميتها في ذات الوقت.

نموذج ناجح لاقتصاد السوق الاجتماعي

ألمانيا هي دولة اقتصاد السوق الاجتماعي، وهذا يعني أن الدولة تضمن شروط وآليات اقتصاد السوق، إلا أنها تعمل في ذات الوقت على ضمان التكافؤ الاجتماعي. هذا النظام الذي أرسى أسسه في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لودفيغ إرهارد وزير الاقتصاد آنذاك، ساهم أيضا في الحفاظ على السلم والأمن الاجتماعيين في ألمانيا، حتى في أحلك الظروف الاقتصادية العصيبة، وهو أمر تجلى في ندرة الصراعات الطبقية بين العمال وأرباب العمل. وتمثل الشراكة الاجتماعية بين النقابات وأرباب العمل الآلية المؤسساتية لإدارة الأزمات ضمن إطار قوانين العمل. ورغم أن الدستور الألماني يضمن آلية السوق الحرة في تحديد الأجور، فإنه أعطى أيضا النقابات وأرباب العمل الحق في تنظيم تعرفة الأجور والاتفاق عليها.

شأنها شأن جميع الدول الصناعية، تأثرت ألمانيا في عام ٢٠٠٨ بأزمة البنوك والاقتصاد وأسواق المال التي انطلقت شرارتها نتيجة المضاربات في أسواق العقارات في الولايات المتحدة الأمريكية وأصابت ألمانيا في مرحلة من النمو القائم على أسس متينة. من أجل الرد الفعال والمنظم على أزمة الاقتصاد المالي، وضمان عودة الهدوء واستقرار الأوضاع في أسواق المال قامت الحكومة الألمانية الاتحادية في شتاء ٢٠٠٨/٢٠٠٩، باتخاذ خطوات مشابهة للدول الأخرى (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا) بوضع برنامجين بالمليارات لإنقاذ البنوك، إضافة إلى إقرار برنامجين شاملين لإنعاش الاقتصاد الوطني.

وقد أثبتت البرامج الحكومية نجاحها في إصلاح طرق المواصلات والمدارس وغيرهما من المباني العامة والحكومية، تماما كما نجحت الجهود الساعية إلى الحفاظ على مستويات عالية من العمالة، رغم تراجعات كبيرة في مستويات الطاقة الإنتاجية (العمل لوقت قصير)، وهي الجهود التي نالت استحسانا وإعجابا عالميين، وكذلك نجحت في مكافأة البيئة للسيارات القديمة (حتى سبتمبر ٢٠٠٩). وقانون تسريع النمو الاقتصادي الصادر في أواخر العام ٢٠٠٩ فتح الطريق أمام المزيد من التسهيلات والإعفاءات الضريبية وحرك بالتالي الطلب الداخلي في الأسواق.

المصدر: أحد المواقع الاقتصادية على شبكة الانترنت



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة