الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٨٢ - الخميس ١٦ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخبار البحرين

في ندوة نظمتها كلية الحقوق بجامعة المملكة:

البروفيسور الباز يستعرض إرهاصات الحياة الدستورية بالبحرين ويؤكد: ازدهار قطاع التعليم العالي أحد ثمار ميثاق العمل الوطني





اعتبر أستاذ القانون العام البروفيسور داوود عبدالرازق داوود الباز التجربة الدستورية بمملكة البحرين أنها تجربة رائدة، وخاصة أنها استهلت حياتها النيابية بقفزة سريعة وليس بالتدرج كما هو معمول به في دول أخرى مشيرا إلى أن التدرج مرهون بدرجة الوعي السياسي الذي تتمتع به الشعوب.

وأكد أن ازدهار قطاع التعليم العالي والازدياد المطرد في عدد الجامعات الخاصة، منذ بداية الألفية الحالية حتى اليوم، يعد ثمرة من ثمار ميثاق العمل الوطني الذي كرس حرية التعليم والثقافة.

وقال: »من الأشياء المحمودة التي ترتبت على الميثاق أننا أصبحنا أمام ثراء علمي قلما تجد له نظيرا، وباتت البحرين متفردة من حيث عدد الجامعات والمؤسسات التعليمية ولا ينافسها في ذلك سوى دولة عربية واحدة هي الأردن«.

وكان البروفيسور الباز يتحدث في ندوة نظمتها كلية الحقوق بجامعة المملكة يوم الأحد الماضي تحت عنوان »تأملات دستورية في ميثاق العمل الوطني« تزامنا مع احتفالات البلاد بذكرى الميثاق.

وأكد: أن عملية البناء الدستوري في البحرين لم تكن وليدة ميثاق العمل الوطني الذي أجري عليه استفتاء شعبي يومي ١٤ و١٥ فبراير ٢٠٠١ وتم بعده إعلان إجراء انتخابات بلدية في مايو ٢٠٠٢ وانتخابات برلمانية في أكتوبر من العام نفسه، بل تمتد جذورها التاريخية إلى ١٤ أغسطس ١٩٧١ عندما نالت البحرين استقلالها.

هنا.. كانت البداية!

وفي ١٦ ديسمبر ١٩٧١، يضيف أ. د. الباز، بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني لدولة البحرين، أعلن أمير دولة البحرين الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، في بيان للشعب، رغبة حكومته بتكليف مجلس الوزراء بوضع »مشروع دستور حديث متطور للبلاد« يكفل تطبيق المبادئ الديمقراطية السليمة. وتنفيذا لهذا البيان فقد عين أمير البلاد لجنة تحضيرية من أربعة وزراء، كلفها بإعداد مسودة للدستور الجديد، بمساعدة الخبير الدستوري لمجلس الأمة الكويتي. وبعد عدة اجتماعات دامت بضعة شهور أعدت اللجنة الوزارية مسودة دستور للبلاد وأوصت مجلس الوزراء بوضع خطة زمنية لدراسة مشروع الدستور من قبل المجلس المذكور ثم عرضه على المجلس التأسيسي لمناقشته وإقراره. وعلى ضوء هذه التوصية أصدر الأمير المرسوم بقانون رقم (١٢) لسنة ١٩٧٢ بشأن إنشاء مجلس تأسيسي لإعداد دستور للدولة، والمرسوم بقانون رقم (١٣) لسنة ١٩٧٢م بشأن أحكام الانتخاب للمجلس التأسيسي.

كما أن المرسوم بقانون رقم (١٢) لسنة ١٩٧٢ الصادر في ٢٠ يونيو ١٩٧٢، نصت المادة الأولى منه على أن »ينشأ مجلس تأسيسي لوضع مشروع دستور للبلاد، ويتألف من اثنين وعشرين عضواً ينتخبهم الشعب بطريق الانتخاب العام السري المباشر، ومن عدد لا يزيد على عشرة أعضاء يعينون بمرسوم، ويكون الوزراء أعضاء في المجلس بحكم مناصبهم».

أما المرسوم بقانون رقم (١٣) لسنة ١٩٧٢ الصادر في ١٦ يوليو ١٩٧٢، فيتعلق بتنظيم أحكام الانتخاب للمجلس، وجاء في المادة (٨) منه: إجراء الانتخابات العامة للمجلس التأسيسي يوم الجمعة الأول من ديسمبر من العام نفسه. وفي اليوم المحدد للانتخابات، انتخب شعب البحرين ٢٢ عضواً للمجلس التأسيسي، وفي يوم ٩ ديسمبر ١٩٧٢، أصدر الأمير مرسومين، الأول يقضي بتعيين ثمانية أشخاص كأعضاء في المجلس التأسيسي بالإضافة إلى الأعضاء المنتخبين والثاني يدعى المجلس التأسيسي (المكون من ٢٢ عضواً و٨ أعضاء معينين، و١٢ وزيراً بحكم مناصبهم )للانعقاد يوم ١٦ ديسمبر ١٩٧٢، وذلك بمناسبة العيد الوطني للبحرين، وقد افتتح الأمير الجلسة الأولى للمجلس بكلمة سامية، وبعدها باشر المجلس أعماله منذ ذلك اليوم في مناقشة أحكام مشروع الدستور الذي قدمته الحكومة إلى أعضاء المجلس التأسيسي لإقراره بعد إدخال التعديلات الضرورية عليه.

وقد حددت مدة المجلس المذكور لإقرار مواد الدستور بستة شهور ابتداء من تاريخ أول جلسة في ١٦ ديسمبر .١٩٧٢ وانتهى بالفعل المجلس التأسيسي من مراجعة وتعديل مشروع الدستور، في ٢٦ مايو ١٩٧٣، وقد تليت مواد الدستور المقترحة بعد التعديلات عليها في جلسة وخاصة في ٢ يونيو .١٩٧٣

وتنفيذا لما جاء في الدستور بشأن إنشاء مجلس وطني، أصدر أمير دولة البحرين في ١١ يوليو ١٩٧٣ مرسوماً بشأن أحكام الانتخاب للمجلس الوطني، وجاء في المادة الأولى من هذا المرسوم: «يتألف المجلس الوطني من ثلاثين عضواً، ينتخبهم الشعب بطريق الانتخاب العام السري المباشر، ويكون الوزراء أعضاء في المجلس الوطني بحكم مناصبهم».

وقال أ. د. الباز: إن السادس عشر من ديسمبر ١٩٧٣ يعتبر البداية التاريخية لبدء التجربة النيابية في البحرين، حيث عقد المجلس الوطني أول جلسة له في هذا التاريخ.

ولم تمر سوى بضعة أسابيع - يضيف الباز- حتى ظهرت المشكلات التي أدت في نهاية المطاف إلى حل المجلس الوطني في ٢٦ أغسطس عام ١٩٧٥ بعد نحو عامين من بدء التجربة النيابية البحرينية، التي لم تعاود نشاطها إلا في مطلع الألفية الحالية.

وذكر أن الثاني والعشرين من نوفمبر ٢٠٠٠ يعد نقلة تاريخية أخرى للبحرين في مسيرتها نحو الديمقراطية ودولة المؤسسات على غرار الممالك الدستورية العريقة، ففي هذا اليوم أصدر عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة أمرا أميريا رقم (٣٦) لسنة ٢٠٠٠ بتشكيل اللجنة الوطنية العليا لإعداد مشروع ميثاق العمل الوطني.

وأوضح: أن المطالبات التي اشتعلت في أوائل التسعينيات من قبل قادة الرأي في المجتمع بضرورة عودة الحياة النيابية، لاقت استجابة من قبل جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الذي طرح - بشجاعة نادرة- ميثاق العمل الوطني للاستفتاء الشعبي وهو الذي يتضمن مفردات ومبادئ وسياسات قلما نجد لها نظيرا.

واستدلّ على ذلك ببعض المضامين التي احتواها الميثاق وتضمنتها ديباجة دستور مملكة البحرين ومن بينها النص المتمثل في «أن شعب البحرين ينطلق في مسيرته المظفرة إلى مستقبل مشرق بإذن الله تعالى، مستقبل تتكاتف فيه جهود جميع الجهات والأفراد، وتتفرغ فيه السلطات في ثوبها الجديد لتحقيق الآمال والطموحات في عهد ظلله العفو، معلنا تمسكه بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهاجا، في ظل انتمائه إلى الأمة العربية المجيدة، وارتباطه بمجلس التعاون لدول الخليج العربية ارتباطا حاضرا ومصيريا، وسعيه إلى كل ما يحقق العدل والخير والسلام لكل بني الإنسان». مؤكدا أن تمسك شعب البحرين وقيادتها بالإسلام واضح وجلي وخاصة أنه قد أفرد مساحات واضحة من ميثاقه وديباجة دستوره ومواده لتأكيد تلك الصبغة الدينية.

ما هو ميثاق العمل الوطني؟

وعرف أ. د. الباز الميثاق بأنه عهد بين الشعب والسلطة السياسية يتضمن توجهات ورؤى الطرفين للمرحلة المقبلة. وهو يعبر عن نهج ديمقراطي- تاريخي يكرس الشراكة السياسية بين الحاكم والمحكوم.

واستعرض تفاصيل ميثاق العمل الوطني البحريني الذي يشتمل على ٧ فصول، يشتمل أولها على عدد من العناوين البارزة، من بينها المقومات الأساسية للمجتمع، أهداف الحكم وأساسه، كفالة الحريات الشخصية والمساواة، حرية العقيدة، حرية التعبير والنشر، نشاط المجتمع المدني، الأسرة أساس المجتمع، العمل واجب وحق، والتعليم والثقافة والعلوم.

واستطرد بالقول: «يتضمن الفصل الثاني من الميثاق ٧ عناوين، هي الأمير، شكل الدولة الدستوري، الشريعة الإسلامية والتشريع، الشعب هو مصدر السلطات جميعا، مبدأ الفصل بين السلطات، سيادة القانون واستقلال القضاء، وحق الشعب في المشاركة في الشئون العامة».

ويتناول الفصل الثالث الأسس الاقتصادية للمجتمع المتمثلة في مبدأ الحرية الاقتصادية، الملكية الخاصة، العدالة الاقتصادية والتوازن في العقود، تنوع النشاط الاقتصادي ومصادر الدخل القومي، البيئة والحياة الفطرية، الأموال العامة والثروات الطبيعية، والعمالة والتدريب.

ويتحدث الفصل الرابع عن أن «الأمن الوطني هو السياج والحصن الحصين لحماية البلاد وصيانة أراضيها ومكتسباتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ودعم مسيرة التنمية الشاملة وخاصة في ظل الظروف والمتغيرات الإقليمية والدولية المعاصرة».

ويبين الفصل الخامس مضمون التجربة النيابية في البحرين المؤلفة من مجلسين عازيا ذلك إلى «أن الكثير من الديمقراطيات العريقة تأخذ بنظام المجلسين، فتضم مجالسها التشريعية مجلسين أحدهما يمثل الاتجاهات والأفكار المتنوعة ووجهات النظر المختلفة بين أفراد الشعب في القضايا المعاصرة، والآخر يعمل كمجلس للمختصين وأهل الخبرة، وقد أثبتت التجارب في هذه الدول الديمقراطية فائدة هذا التشكيل الثنائي للمجلس التشريعي، ومن ثم رسوخه نظرا إلى عائده السياسي الممتاز».

ويتمحور الفصل السادس حول العلاقات الخليجية فيما يتناول الفصل السابع من ميثاق العمل الوطني على العلاقات الخارجية وينص على أن «دولة البحرين تعتز بحقيقة انتمائها العربي، وبكون شعبها الأبي جزءا لا يتجزأ من الأمة العربية، وأن إقليمها جزء من الوطن العربي الكبير».

اللؤلؤ والألماس في القانون

وبيّن أن الدستور هو أعلى فرع من فروع القانون ومن يتعامل معه كمن يتعامل مع الألماس واللؤلؤ - في إشارة منه إلى الحساسية الشديدة التي تتسم بها المفردات والألفاظ الدستورية- ذلك أن الألفاظ في هذا المجال تتعلق بها حياة الأمم والشعوب، ربما لسنوات طويلة.

ولفت إلى أن النظام النيابي -بصفة عامة- ينهض على أربعة أركان أساسية تتمثل في وجود هيئة نيابية منتخبة، وأن تكون نيابة هذه الهيئة بميقات معلوم، وأن المنتخب يمثل الأمة بأسرها، وأخيرا استقلال الهيئة النيابية عن هيئة الناخبين وعلى هذا الأساس فإنه لا يجوز الأخذ بأي من مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة كالاستفتاء أو الاقتراح الشعبي. وقال إن الحريات الشخصية - بموجب الميثاق والدستور- مكفولة ومن أهمها المساواة بين المواطنين والعدالة وتكافؤ الفرص، فضلا عن تبيين حقوق المواطنين وواجباتهم.

وأفاد بأن نظام الحكم في البحرين ديمقراطي السيادة فيه للشعب - مصدر السلطات جميعا- وقد تم الأخذ بنظرية سيادة الشعب ووفقها يملك كل فرد من الأمة جزءا معلوما من السيادة فيما تم الأخذ بنظرية سيادة الأمة في جوانب أخرى وخاصة فيما يتعلق بفكرة احتياطي الأجيال القادمة، الأمر الذي يعكس فكرا ديمقراطيا متقدما.

وتحدث عن القيمة القانونية للمواثيق وإعلانات الحقوق - بصفة عامة- حيث اختلف الفقه الدستوري فيه بيانها إلى ثلاثة آراء، أولها جعلها في مرتبة أعلى من الدستور وسماها «المبادئ فوق الدستورية»، فيما ذهب الفريق الآخر إلى أنها مساوية من حيث القيمة القانونية للدستور، أما الرأي الثالث فجعلها في مرتبة أدنى من الدستور. وأشاد البروفيسور الباز بنظام الشورى البحريني معتبرا نظام الشورى بصفة عامة «أساس البعد عن الاستبداد».

من هو البروفيسور الباز؟

هذا، وكانت الندوة قد استهلت بكلمة قصيرة لعميد كلية الحقوق بجامعة المملكة الدكتور أمجد منصور أشار فيها إلى أن تنظيم الندوة قد جاء بمناسبة ذكرى ميثاق العمل الوطني.. هذا الميثاق الذي تدور حوله كثير من التساؤلات بشأن ماهيته وقيمته القانونية والملاحظات التي تثار بشأنه.

وعرّف د.منصور بالأستاذ الدكتور داوود الباز وهو من مواليد عام .١٩٥٩ حصل على ليسانس الشريعة والقانون عام ١٩٨٢ بتقدير عام جيد جداً، وفي عام ١٩٨٥ حصل على دبلوم الشريعة الإسلامية من كلية الحقوق جامعة الإسكندرية بتقدير جيد. وقد نال دبلوم القانون العام من كلية الحقوق جامعة الإسكندرية بتقدير جيد جداً عام ١٩٨٧ ثم في عام ١٩٩٢ حصل على الدكتوراه في القانون العام (إداري ودستوري) من كلية الحقوق جامعة الإسكندرية بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف.

وله العديد من الكتب والمؤلفات والبحوث في مجال القانون العام، من بينها: القانون الدستوري- في ضوء مبادئ الشريعة الإسلامية، النظم السياسية الدولة والحكومة في ضوء الشريعة الإسلامية، أصول القانون الإداري- دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي، القضاء الإداري- دراسة مقارنة بالشريعة الإسلامية، الوجيز في قضاء الإلغاء- مع محاولة فقهية لتقرير دعوى الحسبة لحماية مبدأ الشرعية، مبادئ علم وفن الإدارة العامة في الفكر الوضعي والنظام الإسلامي، بناء الدولة (المفهوم والأركان والشكل) في الشريعة الإسلامية والنظم الوضعية، حماية السكينة العامة- معالجة لمشكلة العصر في فرنسا ومصر (الضوضاء) دراسة تأصيلية مقارنة في القانون الإداري البيئي والشريعة الإسلامية، الشورى والديمقراطية النيابية- دراسة تحليلية وتأصيلية لجوهر النظام النيابي (البرلمان) مقارنة بالشريعة الإسلامية، أصول القضاء الإداري في النظام الإسلامي- رؤية شرعية لفكرة مجلس الدولة وولاياته، اختصاص مجلس الدولة بدعاوى الجنسية- دراسة مقارنة، والمنازعة الإدارية كمناط لاختصاص القضاء الإداري.



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة