الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٢٤ - الأربعاء ٢٩ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ٦ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

شرق و غرب


الأبعاد الإقليمية والدولية في الأزمة السورية





لقد احتدم الصراع الدامي في سوريا واتخذ عدة أبعاد باتت تنذر بالخطر. في هذه الأثناء، تفاقمت حالة التخبط في الغرب، حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبعض الدوائر الإعلامية لاتزال تصور الحرب الأهلية في سوريا على أنها تمثل صراعا ما بين نظام الأسد الشرير من ناحية ودعاة الديمقراطية الذين يعتبرون في أغلبهم غير مسلحين.

لقد ظلت عائلة الأسد تسيطر على مقاليد الحكم في دمشق بقبضة حديدية على مدى إحدى وأربعين سنة غير أن الدعائم التي يستمد منها هذا النظام الدموي قد بدأت تتآكل وإن كان ذلك بشكل بطيء. رغم ذلك يظل نظام بشار الأسد يستمد الدعم من سبعة عشر جهازا من اجهزة المخابرات والأقلية العلوية القوية وأغلب السوريين المسيحيين وبعض الأطراف القبلية التي ترتبط مصالحها بالنظام البعثي الشمولي إضافة إلى الدعم الذي يجده من قطاع التجار والطبقة الاجتماعية العليا. رغم الجهود التي يبذلها الغرب والتي تكثفت في الآونة الأخيرة من أجل إسقاط نظام دمشق فإن بشار الأسد لايزال يتشبث بالسلطة.

لقد بدأت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وبعض الدول العربية تسلح وتمول المعارضة السورية المناهضة لنظام بشار الأسد منذ بداية الثورة السورية قبل سنة من الآن، وفي الحقيقة فإن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تمول الجماعات المناهضة لنظام الأسد منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي. يقال إن الأسلحة والذخيرة بدأت تتدفق على الثوار السوريين عبر الأردن ولبنان. هناك تيارات موجودة في لبنان تلعب دورا كبيرا في تهريب السلاح والمقاتلين إلى شمال سوريا.

لقد سبق لجماعة الإخوان المسلمين السنية أن انتفضت ضد نظام دمشق الذي تسيطر عليه الأقلية العلوية، ففي سنة ١٩٨٢ كنت موجودا قرب مدينة حماة عندما هاجمتها القوات العسكرية النظامية وقضت على انتفاضة الاخوان المسلمين الأمر الذي أدى إلى مقتل عشرة آلاف شخص على أقل تقدير وتدمير جزء كبير من المدينة باستخدام الأسلحة الثقيلة من دبابات وراجمات وغيرها.

لعل ما يزيد من خطورة الموقف تنامي المليشيات المسلحة المحلية، الأمر الذي يخدم مصلحة النظام الحاكم في دمشق والذي يسوق نفسه على انه الوحيد القادر على تفادي تكرار السيناريوين اللبناني والعراقي في سوريا.

يتمثل هدف سلطات واشنطن الأساسي في سوريا في إسقاط نظام بشار الأسد من أجل توجيه ضربة موجعة لحليفته إيران التي تفقد بخسارة نظام الأسد ذراعها العسكرية في لبنان والممثلة في حزب الله إضافة إلى انهيار حلم التوسع الفارسي في منطقة الشرق الأوسط. في هذه الأثناء تزداد المواقف المعادية لإيران فيما ترتفع الأصوات المنادية داخل الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه ضربة للجمهورية الإسلامية الإيرانية التي باتت تمثل تهديدا مباشرا على المصالح الحيوية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.

لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية على ما يبدو تهتم بما كانت تبديه من مخاوف من حالة الفوضى التي تنزلق فيها سوريا ما بعد سقوط نظام الأسد في دمشق وهي تسعى إلى تحقيق هدفها المتمثل في كسر التحالف ما بين نظامي دمشق وطهران وتوجيه ضربة استراتيجية موجعة لإيران. أما الجمهوريون بقيادة السيناتور المخضرم جون ماكين فهم يدعون إلى الدخول في حرب ضد سوريا في وقت يحاول فيه الرئيس باراك أوباما أن يلجم دعاة الحرب من الصقور الأمريكيين.

أما إسرائيل ؟ التي تلعب هذه السنة دورا مؤثرا وغير مسبوق على الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في شهر نوفمبر القادم ؟ فهي تؤجج الأصوات المنادية بالحرب ضد سوريا وإيران. لا شك أن الدولة العبرية سعيدة لأن الأزمتين الراهنتين في سوريا وإيران قد همشتا القضية الفلسطينية وقضية مرتفعات الجولان المحتلة التي ضمتها إسرائيل بشكل غير قانوني سنة .١٩٨١ تستغل الدولة العبرية مياه الجولان من أجل سد أكثر من ثلث حاجاتها. إن إسرائيل تحبذ بلا شك انفجار سوريا وتفتتها إلى كانتونات صغيرة ومتناحرة على غرار ما أصبح عليه الوضع في العراق اليوم.

لقد ظلت روسيا تدافع بكل قوة عن نظام بشار الأسد وهي مصممة على أن تحول دون تكرار سيناريو ليبيا علما بأنها تعتبر أن الغرب خدعها عندما وسع نطاق التفويض الذي حصلت عليه الدول الغربية وعملت على إسقاط نظام العقيد الليبي معمر القذافي. تتخذ سوريا الموقف نفسه الحذر في تعاملها مع الأزمة السورية. لقد بدأت كل من روسيا والصين تخففان بعض الشيء من موقفهما الرافض لأي تحرك في سوريا وقد تجلى ذلك في الدعوة التي أطلقها مجلس الأمن الدولي مؤخرا من أجل وضع خطة سلام في سوريا. لقد ظلت روسيا تدعم نظام دمشق منذ أن كان حافظ الأسد يحكم بلاده بقبضة حديدية ويبطش بمعارضيه منذ توليه الحكم عقب انقلاب ١٩٧٠ حتى وفاته سنة ٢٠٠٠ وهو ما أطلق عليه سنوات الرعب التي امتدت إلى مدى ثلاثة عقود يبدو أن فترة حكم ابنه بشار الذي أسقط على كرسي السلطة إسقاطا لن تكون بخير من سنوات حكم والده.

عبرت الصين وروسيا عن رفضهما القاطع لأي تدخل في سوريا. في الحقيقة لم تكن لدى الدول الغربية أي نية في تكرار سيناريو التدخل العسكري في ليبيا سنة .٢٠١١ لا شك أن روسيا والصين حكمتا بالشلل على مجلس الأمن وعرقلتا كل الجهود الرامية إلى إصدار قرار يدين النظام السوري بارتكاب مجازر وحشية ضد شعبه. تخشى روسيا والصين الإطاحة بنظام دمشق من خلال تدخل عسكري أجنبي لا يريده أي طرف. تخشى الصين وروسيا أيضا تكريس سابقة إسقاط النظم السياسية الحاكمة عبر تصعيد الضغوط الخارجية، سواء تعلق الأمر بالضغوط الدبلوماسية أو بالتهديدات المالية أو بالعقوبات التي تسلط على قطاع الطاقة الحيوي بهدف شل الاقتصاد.

إن كل ما يمكن للغربيين وشركائهم العرب أن يتخذوه من إجراء لتضييق الخناق على نظام بشار الأسد إنما ينظر إليه في روسيا والصين على أنه عمليات غير شرعية خارج إطار منظمة الأمم المتحدة.

لقد ازدادت أهمية اللجوء إلى العقوبات المشددة والمتنوعة حتى فرضت نفسها كواحدة من أهم الأدوات المستخدمة في معالجة القضايا المتعلقة بالسلام والأمن في العالم. أما وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف فقد راح يقول إن الغرب خدع روسيا والصين في ليبيا وشدد على أن بلاده لن تسمح بتكرار السيناريو الليبي في سوريا. في الحقيقة، لا تكاد سلطات الكرملين تعبأ بالقوانين الدولية التي تحتم حماية المدنيين وهو ما تجلى من قبل في الشيشان وجورجيا والقوقاز.

يذكر أن روسيا والصين أبدتا موافقتهما على إدخال المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين في مدينة حمص السورية التي أصبحت مدينة شبه منكوبة. لم تبد روسيا اعتراضها على العمليات الإنسانية في إقليم دارفور في الوقت نفسه الذي تقدم فيه شحَن الأسلحة إلى حكومة الخرطوم. رفضت روسيا بشدة أيضا فكرة إقامة ملاذات أو ممرات آمنة الأمر الذي مكن نظام دمشق من التحكم في المساعدات الإنسانية وشِحَن الأسلحة. لعل ما يلفت الانتباه هو اصطفاف الصين وراء الموقف الروسي من الأزمة السورية المتفاقمة، وفي الحقيقة فإن الدولتين تساعدان بعضهما بعضا فيما يتعلق بالقضايا والملفات الدولية، فسلطات الكرملين على سبيل المثال تدعم الصين في موقفها من ملف كوريا الشمالية. وبالمقابل فإن سلطات بكين تؤيد بدورها الموقف الروسي من الأزمة السورية حتى من ملف البرنامج النووي الإيراني. لقد حاولت الدول الغربية دق الإسفين في العلاقة ما بين الصين وروسيا العضوين الدائمين في مجلس الأمن الدولي من دون جدوى.



.

نسخة للطباعة

«صحوة» روبرت فيسك

أرسل إلي صديق بريطاني نص مقابلة أجرتها محطة ايه بي سي التلفزيونية الأمريكية مع روبرت فيسك الكاتب المعروف في... [المزيد]

الأعداد السابقة