الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٤٠ - السبت ١٤ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ٢٢ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخبار البحرين

الشيخ علي مطر:

حياتنا في الدنيا رحلة قصيرة





قال الشيخ علي مطر في خطبة الجمعة: كان حديثنا في الجمعة الماضية عن ثقل الذنوب وآثارها على قلب الإنسان وحياته، ووجوب التخلص منها بالتوبة والاستغفار، والإكثار من العمل الصالح، ولدينا وقفة مع من يستهين بالمعصية ويقول سوف أعصي وأتوب،ولا يعلم أن التمكن من التوبة توفيق من الله تعالى، ومع من يصر على المعصية وعلى ترك الفرائض والواجبات، ومع من يسوف في التوبة والاستغفار والإقلاع عن الذنب... ويقول سوف أتوب وسوف أصلي وسوف أترك الحرام.

فكم من إنسان أصر على المعصية، وتهاون في الفريضة، فختم الله له بخاتمة السوء ومات وهو عاص لله عز وجل، وكم من خاسر جاء أجله وهو مفرط في الصلاة، أوتارك للزكاة، أو عاق لوالديه. قال سبحانه وتعالى: «فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ».

وكم من هالك خرجت روحه وهو سكران أو متعاطٍ للمخدرات.

قال الله تعالى: «وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ».

«قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ». ترجعون إلى الله للحساب والجزاء على جنس العمل.

وكم من خائب جاءه ملك الموت وهو متلبس بالفاحشة والقاذورات وواقع في الكبائر والمهلكات ،فهذا مات وهو يشاهد أفلام الخلاعة ،وذاك مات أمام شاشة الكمبيوتر وهو يتصفح المواقع الإباحية.

شتان بين نهاية السوء هذه والموت على المعصية، وبين من وفقه الله لملازمة الإيمان والطاعة والتوبة، والموت على العمل الصالح، وإذا علم الله من عبده الحرص وفقه وأعانه على ذلك، فالموفق من وفقه الله تعالى. يقول ربنا تبارك وتعالى مرشدا عباده إلى الحرص على حسن الخاتمة:

«يَا أَيلاهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ».

«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ».

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ، قِيلَ وَمَا عَسَلُهُ ،قَالَ يُفْتَحُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ قَبْلَ مَوْتِهِ فَيَقْبِضُهُ عَلَيْهِ».

وقال عليه الصلاة والسلام: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَالُوا: وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ، قَالَ: يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ مَوْتِهِ».

وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ». والنطق بالشهادة أيضا مسألة توفيق من الله.

لننظر ونعتبر من هذه الصور الواقعية لمن وفقه الله وشرفه للموت على الطاعة والعبادة:

- التابعي ثابت بن عامر رحمه الله وهو على فراش المرض سمع أذان المغرب، فقال لأبنائه احملوني إلى المسجد، قالوا: أنت مريض وقد عذرك الله، قال: لا إله إلا الله أسمع حي على الصلاة حي على الفلاح،ثم لا أُجيب والله لتحملوني إلى المسجد، فحملوه إلى المسجد، ولما كان في السجدة الأخيرة قبض الله روحه، وكان هذا الرجل إذا صلى الفجر قال اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، قيل له وما الميتة الحسنة، قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد. فأعطاه الله ما تمناه بصدق.

- امرأة في إحدى العواصم الخليجية اعتزلت مجلس نساء الحي لكثرة كلامهن وثرثرتهن، ورأت أنهن لا ينتفعن بأوقاتهن، ويضيع في القيل والقال، وفي الغيبة والنميمة. فجلست في بيتها تذكر الله عز وجل أناء الليل وأطراف النهار، وضعت لها سجاده في البيت فكانت تكثر من الصلاة وقيام الليل،وفي ليلة وهي تصلي ،أخذت تنادي ابنها الوحيد، فذهب إليها، فإذا هي على هيئة السجود، وتقول: يا بني ما يتحرك فيّ الآن سوى لساني. قال: إذاً أذهب بك إلى المستشفى. قالت: لا وانما اقعدني هنا. قال: لا والله لأذهبن بك إلى المستشفى، فأخذها إلى المستشفى، وهناك قالت: أسألك بالله إلا رددتني على سجادتي في بيتي فأخذها وذهب بها إلى البيت، وضأها ثم أعادها على سجادتها، فقامت تصلي. قال ابنها وقبيل الفجر، وإذا بها تناديني وتقول: يا بني أستودعك الله الذي لاتضيع ودائعه. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قبضها ملك الموت وهي ساجدة، وغسلت وهي ساجدة وكفنت وهي ساجدة ،وحملوها للصلاة عليها وهي ساجدة، وحملوها على النعش إلى القبر وهي ساجدة، وجاءوا بها إلى القبر، فزادوا في عرض القبر لتدفن وهي ساجدة، وسوف تبعث يوم القيامة بإذن ربها وهي ساجدة. لأن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ».

- وهذا رجل مصري بسيط جلس يستمع إلى موعظة في أحد مساجد القاهرة فقال الواعظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إلى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيم».

فقال الرجل للشيخ أعد، فأعاد عليه الحديث، فخرج الرجل وأخذ يدعو إلى الله ويذكر الناس بالخير الذي تعلمه، وكلما التقى بإنسان في الشارع أو في البناية أو السوق سلم عليه وقال له: كلمتان خفيفتان... الخ.

وفي يوم مرض هذا الرجل وأغمي عليه وحملوه للمستشفى، وفي أثناء الفحص فتح عينيه ورأى الطبيب، فقال له يا دكتور، كلمتان خفيفتان على اللسان... ثم نطق بالشهادة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، ومات في مكانه.

-وهذه فتاة في ليلة زفافها، والاستعدادات جارية لتجهيزها وتزيينها، ويؤذن المؤذن لصلاة المغرب، والعروس تقول لمن حولها بسرعة أريد أن أصلي فوقت المغرب قصير، والمزينة تقول لها نحتاج لبعض الوقت اصبري قليلا... ويمضي الوقت ويكاد يخرج وقت المغرب، والعروس تصر على الصلاة، والجميع يحاول ان يقنعها بأن تؤخر الصلاة، والبعض يقول لها تيممي فالوضوء سوف يفسد الماكياج والتسريحة، فهذه ليلة العمر والمدعوات بالانتظار والعريس ينتظر، ولكنها تصر على موقفها، وتقوم بشموخ المسلم وتبدأ الوضوء (بسم الله) وتفرش السجادة وتكبر للصلاة (الله اكبر) نعم الله اكبر من كل شيء، وتنهي صلاتها وتسلم ومع التسليمة الثانية تخرج روحها إلى بارئها.

حياتنا في هذه الدنيا رحلة قصيرة فلنختم رحلتنا بطاعة الله وعبادته، فالسعيد الموفق من ختم له بالطاعة قبل موته، ويعين على ذلك تحقيق التوحيد الخالص، وتقوى الله تعالى وملازمة طاعته سبحانه، وتجنب المحرمات، والمبادرة إلى التوبة والاستغفار، والإكثار من الدعاء بخاتمة الخير على الإيمان والتقوى والعمل الصالح.



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة