أين يكمنُ السؤالُ في رواية (الرجل السؤال) لفتحية ناصر؟ (١-٢)
 تاريخ النشر : السبت ١٦ يوليو ٢٠١٢
بقلم: فهد حسين
أصدرت الكاتبة فتحية ناصر روايتها الثانية بعنوان الرجل السؤال، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ببيروت في طبعتها الأولى عام .٢٠٠٩ متخذة عناوين لفصول الرواية على شكل أسئلة، فجاء الفصل الأول في صيغة سؤال (ألم يحبني؟)، والفصل الثاني (متى أحببته؟)، والسؤال الذي عنون الفصل الثالث (لماذا هو؟)، وفي الفصل الرابع كان السؤال (كيف؟)، وفي الخامس جاء بصيغة مختلفة وهو غير الأخير، بــ (حتى متى سأبقى أحبه؟)، وتتحدث الكاتبة في الفصل الأول عن ذكريات الشخصية الرئيسة (رجاء) مع صديقها (علي) الذي التقته في إحدى صالات الغناء الموجودة بالفنادق حينما كانت تؤدي وصلتها الغنائية، الذكريات التي تتداخل فيها الحسرة والتأوه والأسف وضياع الفرص، فالعلاقة التي لم تستمر ترى صديقها وحبيبها بات وزيرًا لوزارة الصحة بعد ما ابتعدا بعضهما عن بعض فلا تعرف أخباره إلا العامة من خلال وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، ولكن هل يعرف هو في مقابل ذلك أخبارها الفنية وغير الفنية، وحالتها بعد بعدهما عن بعض الأمر الذي تبرزه الراوية في ضوء العلاقة بينهما، مثل التوقعات التي يتوقع كلاهما لبعضهما بعضا، «تتذكر أنها تنبأت له منذ زمن بعيد بأن يصبح وزيرًا، وتحققت نبوءتها، بينما تنبأ لها هو بأن تصبح شخصية لامعة، وأن يصبح اسمها حاضرًا في المجتمع بشكل ما، لكنه لم يتوقع أنها ستكون مغنية ص٧».
وإذا كان التعارف الأول كان في إحدى صالات الغناء في الفنادق، يعني أنه كان يعرف أنها مغنية في الأساس، فكيف يتوقع لها شيئًا هي داخلة فيه وهي المهنة التي تمتهنها، وما تعارفهما إلا من خلال وصلتها الغنائية وحضوره لاستماع الغناء. لذا نعتقد أن الكاتبة لم توفق في نسج هذا البناء السردي على الرغم من أنه أول الرواية. وما يشير إلى هذا الخلل الفني ما جاء في موضع آخر حين كانت «تتذكر رجاء دائمًا لقاءها الأول بعلي حين كانت تعمل في الفنادق كمغنية وعارضة أزياء... ص٢٥». والسؤال المطروح في الفصل الأول: ألم يحبني فكيف تفكر رجاء بالحب الذي يعني البعد العاطفي والوجداني، وهي تؤكد في أثناء ســرد أحداث الرواية إيمانها بالصداقة، وليس الحب الذي يصل بك إلى الزواج، وان عـلاقتهــا بعلي توطدت وقويت لأنها صداقة وليست حبا؟ فلماذا تريد الإجابة عن هذا السؤال، لماذا لم تتســاءل هل لايزال ينظر علي إلي كصديقة له، وخاصة أن الاثنين كان متفقين على عــدم الزواج؟ إذ تقول رجاء: «...وللمرة الأولى بأنهـا مطمئنـة في علاقتها بالجنس الآخر؛ لأن العلاقــة بينهما لن تتحـول إلى حـب يومًا ما ص٢٨«، وتقول الراوية: »وهناك تعـاهـدا على أن يكونـا صديقين للأبد ص٢٩«، وكذلك »وقد أعجبتها صراحة علي منذ البدء حين لمّح لها بأنه لا يمكن له أن يتزوجها ص٢٢». وتقول رجاء لعلي في أحد لقاءاتهما: «وقد قررت أني لن أحبك ذات يوم ص٢٢».
ولكن سرعان ما تأخذك الشخصية إلى ذكريات أخرى متحدثة عن أسرتها وعلاقتها بها، والعلاقات المتباينة بين أفرادها، تجاه الأب، والأدوار التي كان يؤديها الأبناء مجاملة لأبيهم؛ لأنه رجل دين، وخوفًا من غضبه كانوا يؤدون ما يؤمرون حتى تأدية الشعائر الدينية فأداؤها مجاملة له وليس صدقًا، فقد بينت أن الأب يؤدي دور الخطابة على المنابر في المآتم الحسينية، وهو متزوج من ثلاث نساء، كانت أم رجاء هي الأولى، لذلك كانت معاناتها، وتحملها للمسئولية تجاه جميع أفراد المنزل، من الأبناء والزوجتين، ومتطلبات الزوج، وتلبية احتياجاته، بل تخرج هذه المعاناة في معاملة الزوج لزوجته كما أشارت رجاء إلى أن أباها كان يعامل أمها معاملة تهين كرامتها، وإنسانيتها، وجعلها خاضعة له، في الوقت نفسه كانت معاملته مختلفة تمامًا تجاه الزوجتين الأخريين، فحسن الكلام والمعشر الطيب والسلوك الحسن علامات ارتباط بين الأب وزوجتيه، أما أم رجاء فعلاماتها التهميش والدونية والخدمة المستمرة وقبول الأوامر من دون نقاش أو حتى تبرم.
وفي الوقت ذاتها أوضحت رجاء متحدثة عن أبيها (ملا علي)، وكيف كان يأخذ أبناءه إلى المآتم والمساجد ليؤدوا الشعائر الدينية، متسائلة أن ما يقومون به هل كانت برغبة وخشوع؟ أم هي مجاملة اجتماعية بحكم وضع أبيهم في المنطقة، ومكانته الدينية عند أفراد المجتمع؟ وفي ضوء المفارقة والمجاملة في تعامل الأب مع زوجاته حدث الكره من قبل رجاء تجاه أبيها، فهي تكرهه لأسباب متمثلة في تركه أمها، وزواجه من ثلاث نساء، ولمعاملته المتباينة بينهن، كما كانت تكره أمها أيضًا بسبب ضعفها أمام زوجها، وخضوعها، وخنوعها، وسكينتها الراضية بما هي عليه، وتكرهها كذلك لما قامت به الأم من ضرب مبرح، وبسلك كهربائي حينما عرفت بالعلاقة التي تراها الأم غير طبيعية بين رجاء وجعفر، «لم تتوقف أم رجاء إلا حين وجدت رجاء تبكي بصوت قبيح، وتلعن اليوم الذي أتت فيه إلى هذه الدنيا، وإلى العائلة، وإلى هذه الأم، وتصرخ فيها بأنها تكرهها ص٣٦»، بل تكره أباها، لأنه يفضل الأبناء على البنات، فالأولوية لهم في كل شيء، فهم أول من يتناول الطعام، ويشربون، وبعد الشبع والانتهاء يأتي دور البنات ليتناولن ما تبقى لهن، وهم الملبية طلباتهم من قبل جميع أفراد الأسرة من الأمهات والأخوات، وتكره البنات أيضًا لأنهن قابلات بالمرتبة الأخيرة في الأسرة، ولأنهن خاضعات لأوامر الرجال والأولاد، فهن يفرشن السفرة للرجال حين يتناولون الغداء، وهن يأكلن بعد ما ينتهي الرجال، وهن اللائي يغسل الملابس، ويكوينها، ويضعنها في أماكنها المخصصة، وهن اللائي يعددن كل ما يأمر به الأولاد.
وتدخل رجاء في الفصل الثاني بذكرياتها الخاصة المتعلقة بحياتها الجنسية، فالعلاقة الأولى كانت مع (جاسم) ابن الجيران، ابن الفلاح البسيط الذي أوهمت نفسها وفقًا لدخولها سن المراهقة بهذه العلاقة، غير أن هذا الوهم لم يكتمل ويتحول إلى حقيقة، مما جعلها تنظر إلى صبيان الحارة بأنهم متخاذلون، لكن جاسما الشاب المراهق أيضًا كان في كنف أسرة محافظة ومتدينة فلا ينظر إلى العلاقة مع الجنس الآخر في هذه المرحلة العمرية على أنها أساس في الحياة، بقدر ما كان ينظر إلى طبيعة حياته، وعمله مع أبيه في الحقل، فكانت رجاء «تنتظره أن يأتي، وأحبطت كثيرًا حين لم يفعل ويئست...ص٣٣»، وانتهى الوهم عند رجاء بسبب المرض الذي ألم بجاسم، وأودى بحياته، «حبيب رجاء الأول توفي بعد ذلك بعشرة أعوام بعد معاناة مع سرطان الكبد ص٣٣»، وفي الوقت الذي تتذكر رجاء العلاقة الأولى التي كانت من طرفها تتذكر أيضًا القبلة الأولى التي حدثت مع (جعفر) شقيق صديقتها إيمان، القبلة التي أوصلتها إلى ممارسة الجنس من دون الإيلاج، «شابان مراهقان هي في الخامسة عشرة وهو في السابعة عشرة، كانت لديهما - في كل مرة - النية والطاقة لإقامة العلاقة الكاملة معًا، لكن شيئًا ما بقي قسرًا يردعهما عما هما عازمان القيام به ص٣٣-٣٤»، وبمعرفة أمها بهذه العلاقة التي تأكدت بعد عودتها من بيت صديقتها، وقد طبعت على رقبتها آثار عضة لم تعرف عنها رجاء، مما دخلت رجاء بعد ذلك في عالم آخر المهانة الجسدية، عالم تميز بالضرب والجلد بالسلك الكهربائي في جميع أجزاء جسدها أمام الجميع.
وإذا أحبت رجاء جاسما من دون أن يعرف هو، ونسجت علاقة عاطفية بحكم المراهقة مع جعفر، فهناك صداقات كونتها رجاء مع بعض الشباب وضمن تجارب جنسية سطحية، حيث كانت الصداقة الأولى مع (خليل)، ولكن لم تدم طويلاً؛ لأنه أعلن لها بحبه لها، ويرغب في تحويل الصداقة إلى فعل عاطفي ووجداني، ذلك المبدأ الذي ترفضه البتة، إذ لم يكن في تفكيرها ولا في أجندتها. وكذلك (يونس) الذي استمر معها نحو عامين، وظن أنه أحبها وهي أحبته أيضًا، ولكنها لا تدري هي بذلك، و(جواد) التي ارتبطت معه بعلاقة متذبذبة، لوجود بعض الحواجز النفسية والثقافية بينهما، فرجاء كانت تخفي عنه الكثير من حياتها، ولا تخبره بكل شيء، لذلك اعتقد أنها كاملة، ولا تخطئ ولا تضعف، وعلى الرغم من هذه الحواجز فالاثنان مؤمنان بأن الصداقة بين الرجل والمرأة صداقة ينبغي أن تكون موجودة.
ومن هذه العلاقات تنتقل الكاتبة بالشخصية الرئيسة إلى الحديث عن غشاء البكارة من خلال حوار يدور بين الأم والشخصية نفسها تمثل في الآتي »سألتها أمها: هل نزفت فأجابت رجاء: لا ليس بعد... تعرفين ما أقصد لا أعني الدورة الشهرية.
- نعم، أعرف ما تقصدين.. لكنني حين أريد سأفعل، في الوقت الذي يناسبني أنا ص٣٧»، إذ عرفت رجاء أن الأم تعني غشاء البكارة، ذلك الغشاء الذي تعتبره الكثير من العائلات والأسر والناس في المجتمعات المختلفة، وخاصة في الأرياف أنه دليل عذرية المرأة وشرفها، إلا أن رجاء لم تكترث بهذا الشيء، بل كانت تعلن قائلة: «لا أريد أن أتزوج من أجل هذا بل على العكس، أريد أن أتزوج حين أمل من هذا؛ لأن قراري حينها لن يكون متأثرًا بنزواتي ٣٧-٣٨»، ومن هنا راحت تسرد بعض القضايا التي تعوق حركة المجتمع بدءًا من طريقة تربية الأبناء التي تستفسر لم لا يأخذون بمقولة الإمام علي التي تقول: «لا تربوا أبناءكم مثل ما ربيتم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم ص٣٨».
.
مقالات أخرى...
- صدمة كبرى تلقتها الفنانة في طفولتها غيرت نظرتها للحياة - (16 يوليو 2012)
- قصة قصيرة الضفة الثالثة للنهر(٢) - (16 يوليو 2012)
- حول ديوان «ينام على الشجر الأخضر الطير» محمد علي شمس الدين.. الصوفي في مقام الحزن - (16 يوليو 2012)
- في ذكرى مرور عشرين عامًا على وفاته احتفاء قاهري بذكرى الروائي يحيى حقي - (16 يوليو 2012)
- سماواتٌ لحوريةٍ واحدة الشاعرُ علي عبدالله خليفة بين سقيا الرمادِ ووهجِ الحب - (16 يوليو 2012)
- قضايا ثقافية جُـــــــرأة الـشـعـــــــــــر - (16 يوليو 2012)
- نصـــــــوص تبـــــــوح - (16 يوليو 2012)
- عبدالله السعداوي ذلك الشيخ المفتون بحكاية المسرح (٢-٢) - (9 يونيو 2012)
- محمود درويش والتوراة - (9 يونيو 2012)