الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣٠ - الجمعة ١٣ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٣ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


النفس الفاجرة





الإستجابة إلى وسوسة النفس الأمّارة بالسوء تقود لا محالة إلى حالة النفس الفاجرة، والفجور في معناه العام، ودلالاته الشاملة هو: الخروج عن المبادئ والقيم والأعراف، وجاء في صفات المنافق أنه: إذا خاصم فجر، أي بلغ في الخصومة مداها، ولا يترك مجالاً للعودة إلى المصالحة.

إذاً، فالفجر هو بلوغ المدى في كل شيء .

وهذه الحالة التي تتلبس بالنفس البشرية، فتحولها من نفس أمّارة بالسوء، موسوسة بالشر، إلى نفس شريرة فاجرة تسعى إلى الشر بكل ما أوُتيت من قوة، ومن جهد، ولا تدع مجالاً تسيء فيه إلى الآخرين إلا دخلته، وصارت من أهله وخاصته.

النفس الفاجرة هي: النفس التي تأكل أموال الناس بالباطل، وتسعى في الأرض لتفسد فيها، وتُقطع الأرحام، وتُضيّع الحقوق.

النفس الفاجرة هي: التي تستهين بالدماء، والأعراض وحقوق العباد.

النفس الفاجرة هي : التي تعين الظالم على المظلوم، وهي التي تشهد بالزور، وتمكن الفسقة والظلمة من حقوق الناس.

النفس الفاجرة هي: التي تعق الآباء والأمهات، وتُضيع حقوق الأبناء، وتسيء إلى الجار.

النفس الفاجرة هي: النفس التي لا تتقي الله تعالى حيثما كانت، ولا تخالق الناس بخلق حسن، ولا تسعى بين الناس بالإصلاح، ودفع الأذى عنهم.

والنفس الإنسانية على إطلاقها قابلة للفجور والتقوى، والإنسان هو الذي بيده توجيه طاقاتها الهائلة إلى الفجور أو التقوى، فإذا ألقى قياده إلى النفس الأمّارة بالسوء قادته في غير توانٍ إلى ساحات النفس الفاجرة ورأى عنده الاستجابة الفورية أو البطيئة للانحراف، واتباع الهوى والشيطان.

قال تعالى:} ونفس وما سواها(٧) فألهمها فجورها وتقواها(٨) قد أفلح من زكاها(٩) وقد خاب من دساها(١٠) { الشمس .

وكما أن للنفس قابلية على الفجور، فهي لديها قابلية على التقوى،وليد الإنسان، وبإرادته الحرة أن يُغَلِب جانبا على جانب، وأنه سوف يحاسب على توجيه الطاقة، وإطلاق الإرادة، أو تقييدها.

ووصف النفس بالفجور بمعنى تفجر الشر منها كما يتفجر الماء من العيون، ثم ينتشر ليغطي مساحة كبيرة من الأرض، فكذلك فجور النفس لا يقتصر شرها على الإنسان وحده، أو على محيطه الصغير، بل يمتد ليسع مساحة كبيرة وخلقاً عظيما من الناس، وصدق الله العظيم حين قال:} واتقـوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب{ الأنفال/.٢٥

ولأن النفس على إطلاقها قابلة للفجور، فعلى الإنسان أن يتعهدها بالرعاية والصيانة، وألّا يجعلها متصلة بأي سبب بأواصر النفس الفاجرة، فإن اتصالهما وتآلفهما هلاك للإنسان في عاجل أمره وآجله، وفيهما إهدار لإنسانية الإنسان، وتحويله من إنسان رحيم مهذب، مفتاح للخير مغلاق للشر، يتحول هذا الإنسان إلى مصدر للشر، ومنبع للفساد.

والإلهام للنفس بالفجور والتقوى، هو استعدادها الفطري إلى كل واحد منهما، وبإمكان الإنسان أن ينحاز إلى أي واحد منهما، ويكون في صف الفجور أو التقوى، وسوف يحاسب على وفق ما يختار بإرادته الحرة.

حين يختار الإنسان ولاءه، ويستنهض همته، ويسخر طاقاته التي وهبه الله تعالى إياها، فإنه بذلك يحقق الفوز أو الخسران المبين.

وعلى الإنسان ألا يستهين بقدرات وسوسة النفس الأمارة بالسوء، أو النفس الفاجرة، بل عليه أن يأخذ حذره منهما، وأن يستدعي كافة قواته المسلحة، وأن يعد لمواجهتهما ما استطاع من قوة، وأن يتذكر الآخرة، وما أعد الله تعالى فيها من جزاء لأهل الطاعات، ومن عذاب لأهل المعاصي والمخالفات، وأن يتدبر القرآن الكريم بعد أن يفتح له قلبه ووجدانه قبل أن يفتحه ويقلب صفحاته، وأن يشعر بالمراقبة الدائمة لله تعالى، فذلك هو الإحسان الذي حدثنا عنه رسول الله( صلى الله عليه وسلم) وهو المرتبة العليا لليقين حين يعبد المرء مولاه عز وجل كأنه يراه، فإن لم يكن يراه، فهو سبحانه يراه لا محالة.

النفس الفاجرة عدو خفي يستعين بالهوى والشيطان من أجل تدمير الإنسان، وإغلاق منافذ الخير في وجهه، وسلبه كل أسلحته التي من الممكن أن يتقوى بها لمواجهة نفسه الأمارة بالسوء ونفسه الفاجرة، وعلى الإنسان أن يحذر أشد الحذر أنه في صراع دائم، وفي حرب مستمرة مع قوة الشر في نفسه، ومع من حوله دنيا وشيطان وقرناء الشيطان، وعليه ألا يغفل لحظة من ليل أو نهار، فإن أعداءه يتربصون به الدوائر، ويعملون ليلاً ونهاراً لا يهدأون من أجل غوايته وإضلاله.

moc.liamg@halafniblaa

halafniblaa@



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة