الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣٩ - الأحد ٢٢ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٣ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الإنسان وبداية النهاية





تحدث القرآن الكريم طويلا عن بداية خلق الإنسان كما تحدث عن نهاياته، وحديث القرآن عن الإنسان حديث العليم الخبير لأن القرآن كلام الله تعالى الذي «لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه»،ومن اصدق من الله حديثا، ومن اصدق من الله قيلا؟

في سورة «المؤمنون» تحدثت السورة العظيمة عن سيرورة الانسان وصيرورته.

تحدثت عن أصله ثم عن فصله، فأصله الذي جاء منه هو الطين، وهذا هو الخلق الأول لآدم (عليه السلام) ثم جاءت ذريته من النطفة التي يلقيها الرجل في رحم زوجته. فأصل الخلق الأول هو الماء والطين ثم صار التكاثر عن طريق التزاوج بين الذكور والإناث من بني آدم.

سورة «المؤمنون» تتحدث عن سيرة الإنسان في وجوده الأول من العدم، ثم عن وجوده الثاني عن طريق التزاوج، يقول تعالى: «ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين»، هذا في خلق آدم (عليه السلام) ثم أخرج الله تعالى منه بعد ذلك النطفة يلقيها الرجل في رحم زوجته فتكون جنينا بقدرة الله ومشيئته سبحانه، وهذا ما تؤكده الآية التي تأتي بعد هذه الآية وهي في قوله تعالى: «ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (١٣) ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظما فكسونا العظام لحما ثم أنشأنه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (١٤)».

هذه هي رحلة البداية، تنقسم إلى بدايتين: الأولى: خلق آدم من الطين والماء، والثانية: خلق عموم البشر من نطفة تتحول إلى إنسان كامل له من القدرات وله من الإرادات ما يميزه عن باقي المخلوقات.

وبعد أن يتم تكوين هذا الإنسان، وتنضج فيه مشاعره وأحاسيسه ورغباته يبدأ رحلة السعي اما شاكرا واما كفورا.

شاكرا لأنعم الله تعالى عليه باذلا أقصى ما يستطيع من أجل شكر المنعم سبحانه على ما أسداه إليه من نعم، مقرا بفضله سبحانه، قائما بواجب الشكر له سبحانه بأن يوظف هذه النعم فيما خلقت من أجله ولا ينحرف بها عن الغاية التي رسمتها لها الشريعة الغراء.

إنه الشكر العملي الذي تزداد به النعم، ويستديم الإنسان بقاءها عنده، قال سبحانه: «وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد» (إبراهيم/٧).

ذلك وعد من الله غير مكذوب وعهد منه سبحانه «ومن أوفى بعهده من الله».

هذا الإنسان حين يعلم فضل الله تعالى عليه في خلقه الأول والثاني وفيما أعطاه ومنحه من قدرات ومن جوارح تنفعل لحركته وتستجيب لسعيه ولا تعصي له أمرا ولا ترد له طلبا، يوجهها إلى حيث يريد فلا تتأبى عليه ولا تعارض إرادته بإرادة مغايرة فهي مأمورة أن تطيعه فيما يريد ويهوى وليس عليها ذنب أو حساب حتى يأتي أمر الله تعالى فيرد لها إرادتها، فتشهد عليه بما ألزمها من تصرف وسلوك لا يقرهما مولاها عز وجل: «يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون» (النور/٢٤).

تلك كانت البداية لهذا الإنسان في سورة «المؤمنون»، وكان ذلك حديثها المستفيض عن أصل نشأته الأولى، وعن أصل نشأته الثانية، وما يتقلب فيهما من أطوار من شيء لا يكاد يرى بالعين المجردة إلى إنسان كامل ذي إرادة حرة ومشاعر فياضة وأحاسيس مرهفة .

تلك كانت البداية، فماذا عن بداية النهاية أو نهاية البداية؟



















.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة