يوم الأسير الفلسطيني.. معان ودلالات وأرقام
أكثر من ٢٠ ألف أسير فلسطيني معتقلون بلا تهمة منذ عام ٢٠٠٢
 تاريخ النشر : السبت ٢١ يناير ٢٠١٢
بقلم: عبدالناصر عوني فروانة *
في عام ١٩٧٤ وخلال دورته العادية أقر المجلس الوطني الفلسطيني باعتباره السلطة العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية يوم السابع عشر من نيسان / ابريل، يوماً للوفاء للأسرى وتضحياتهم، يوما لشحذ الهمم وتوحيد الجهود لنصرتهم ومساندتهم ودعم حقهم في الحرية، يوماً لتكريمهم وللوقوف بجانب ذويهم، يوما للوفاء لشهداء الحركة الوطنية الأسيرة ولكل من انتمى لها، فكان ولايزال «يوم الأسير الفلسطيني» ومنذ ذلك التاريخ يوماً ساطعاً يحييه الشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات سنويا بوسائل وأشكال متعددة.
وبهذه المناسبة أبعث أسمى آيات الحب والتقدير لكل أسرانا وأسيراتنا وفي المقدمة منهم الأسرى القدامى ورموز المقاومة والقيادات السياسية وللأسرى المضربين عن الطعام أمثال مروان البرغوثي، أحمد سعدات، كريم يونس، د.عزيز دويك، بلال ذياب، ثائر حلاحلة، صدقي المقت، فؤاد الشوبكي، عاهد أبوغلمة، حسن سلامة، حمدي قرعان، خضر عدنان، عبدالله البرغوثي.
وحينما نتحدث عن الأسرى، فان حديثنا لا يقتصر على بضعة آلاف يقبعون في سجون الاحتلال، منهم الأطفال والشيوخ، أمهات وقاصرات، نواب وقادة سياسيون، مرضى وجرحى، وإنما نقصد قضية وانتماء، ونتحدث عن تاريخ عريق ورافد أساسي للثورة، نتحدث عن تجارب من الصمود والتضحيات وفصول من المعاناة والانتهاكات والجرائم مورست واقترفت بحقهم من قبل السجان الإسرائيلي.
نتحدث عن أصوات لخفقات قلوب أدماها الحرمان والقهر، ودموع ذُرفت لتغرق الأرض وتروي عشباً أخضر نبت وترعرع بين شقوق الصخور وجدران السجن.
نتحدث عن أجسام شبان وشيوخ حُفرت عليها سياط الجلاد وعذابات السجان، وأمهات ولدت، وأطفال كبروا، وشيوخ توفوا خلف القضبان، وشبان شابوا وهرموا خلف القضبان.
نتحدث عن جيش مفعم بالشوق والحنين للأهل والوطن وأزقة المخيم وشوارع المدينة، وإصرار على الحياة، وأمل باقِ لم ولن يغيب.
نتحدث عن حركة نضالية متجذرة ومتطورة دوماً، انضوى تحت لوائها وانضم إلى صفوفها منذ احتلال «اسرائيل» لفلسطين مئات الآلاف من الفلسطينيين، وهؤلاء هم جزءٌ لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، وهم من حملوا لواء النضال جنباً إلى جنب مع بقية المناضلين ولم يعرفوا إلا الثورة وطنـًا وهويةً في السراء والضراء وانخرطوا في صفوف النضال في أصعب مراحله وأحلك لحظاته وقدموا الغالي والنفيس دفاعاً عن كرامة وشرف شعبهم وحقوقه العادلة، وتركوا عائلاتهم فكان لهم في سجل التاريخ والبطولة صفحات مضيئة، والمستقبل الفلسطيني سيبقى مشوها ما لم ينل من تبقى منهم خلف القضبان حريتهم.
وفي السابع عشر من ابريل الجاري مرت علينا الذكرى الثامنة والثلاثون لـ «يوم الأسير الفلسطيني» بصور متعددة الأشكال، ممزوجة المشاعر، ما بين الألم والأمل، ما بين صمود أسرانا وثباتهم وشموخهم، وقهر الاحتلال وفظاعة جرائمه.
تطل علينا الذكرى الـ ٣٤ في ظل ظروف قاسية تشهدها السجون وأوضاع مأساوية لم تعد تطاق، وفي ظل استمرار الاعتداءات والانتهاكات الجسيمة والجرائم الإنسانية، وتصاعدها في الآونة الأخيرة بشكل خطر وغير مسبوق بحق أسرانا واسيراتنا، بل تمتد لتطول ذويهم وأبناءهم ونساءهم ولتمس بشكل مباشر مشاعرهم الإنسانية والدينية.
وبمناسبة يوم الأسير الفلسطيني وفي قراءة إحصائية نجد أن أكثر من (٧٥٠) ألف حالة اعتقال سُجلت منذ عام ١٩٦٧ إلى يومنا هذا، منهم قرابة خمسة وسبعين ألف حالة اعتقال سُجلت منذ بدء انتفاضة الأقصى في أيلول / سبتمبر ٢٠٠٠، بينهم أكثر من (٩٠٠) مواطنة، وقرابة (٩) آلاف طفل وعشرات النواب والقادة السياسيين اعتقلوا خلال انتفاضة الأقصى.
والمؤكد أن تلك الاعتقالات لم تقتصر على فئة محددة أو شريحة معينة، وإنما شملت شرائح وفئات المجتمع الفلسطيني كافة ، مما دفع الذاكرة الفلسطينية لأن تفرد مساحات لمفردات الاعتقال والسجن والتعذيب ومشتقاتها التي أضحت جزءا ثابتا في القاموس الفلسطيني ومن الثقافة العامة، حيث لم تعد هناك عائلة فلسطينية إلا وتعرض أحد أفرادها أو جميعهم للاعتقال، وهنالك من اعتقلوا مرات عديدة.
مما جعل من قضية الأسرى قضية مركزية بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني وقيادته، وجزءا من الثوابت الفلسطينية التي لا يمكن تجنبها وتجاوزها أو القفز عنها.. باعتبارها قضية وطن وشعب.
الأسرى في أرقام
ولكن بالتأكيد ليس كل من اعتقل بقي في الأسر، فالكل تحرر فيما بقي قرابة (٤٧٠٠) أسير يقبعون في سجون ومعتقلات الاحتلال الإسرائيلي ينتظرون شروق فجر الحرية والرقم متحرك وغير ثابت نتيجة الاعتقالات المستمرة، بينهم (٨) أسيرات وتعتبر الأسيرة لينا الجربوني من المناطق المحتلة عام ١٩٤٨، أقدمهن في الاعتقال، حيث انها معتقلة منذ ١٨ إبريل / نيسان ٢٠٠٢ وتقضي حكما بالسجن الفعلي ١٧ عاماً، و(١٩٠) طفلاً، و(٢٧) نائباً والعديد من القيادات السياسية، و(٣٢٠) معتقلا إداريا، بالإضافة إلى ثلاثة وزراء سابقين.
«الأسرى القدامى» «عمداء الأسرى» «جنرالات الصبر»
والمؤلم أن من بين الأسرى (١٢٠) أسيراً معتقلين منذ ما قبل اتفاقية أوسلو وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية في الرابع من مايو / ايار عام ١٩٩٤ وهؤلاء يُطلق عليهم مصطلح «الأسرى القدامى» على اعتبار أنهم أقدم الأسرى وقد مضى على أقل واحد منهم ١٨ عاماً وما يزيد، ويُعتبر الأسير كريم يونس من المناطق المحتلة عام ١٩٤٨ والمعتقل منذ يناير ١٩٨٣ هو عميد الأسرى وأقدمهم جميعاً.
ومن بين هؤلاء (٥٩) أسيرا مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً ويُطلق عليها مصطلح «عمداء الأسرى»، فيما من مضى على اعتقالهم ربع قرن وما يزيد من هؤلاء سيصل عددهم إلى (٢٣) أسيرا وهؤلاء يُطلق عليهم مصطلح «جنرالات الصبر».
مصطلحات جديدة وثابتة في قاموس الحركة الأسيرة، وأرقام مذهلة ومؤلمة، لنا كفلسطينيين، واستمرار بقائهم في السجن طوال السنوات والعقود الماضية أمر في غاية الخجل والإحراج، وحينما نستحضر أسماءهم تنتابنا مشاعر الفخر ممزوجة بالألم.. فخر بشموخهم وصمودهم وألم على معاناتهم واستمرار بقائهم في الأسر.
ولا شك أن الأسرى والأسيرات كافة في سجون الاحتلال يتعرضون لمنظومة من الإجراءات والقوانين التعسفية والانتهاكات الفاضحة لكل المواثيق والأعراف الدولية، في إطار سياسة ممنهجة، والأخطر من ذلك أن سلطات الاحتلال قد أقرت قوانين للتضييق على الأسرى وشرعنة الانتهاكات والجرائم بمشاركة ومباركة جميع مركبات النظام السياسي في «إسرائيل» بدافع الانتقام ثم الانتقام ثم الانتقام من الأسرى وذويهم.
وهذا ما منح مقترفيها الحصانة القضائية والغطاء القانوني وفتح الباب على مصراعيه لاقتراف مزيد من الجرائم، وهذا ما يُفسر تزايد الانتهاكات الفظة بحق الأسرى في الفترات الأخيرة مثل الإفراط في استخدام القوة والاعتداء على الأسرى وانتهاك حقوقهم الشخصية من خلال مراقبتهم الدائمة ومصادرة أبسط حقوقهم التي انتزعوها عبر نضالاتهم وتضحياتهم السابقة وعزل العشرات منهم في زنازين انفرادية وحرمان الآلاف من ذويهم من زيارتهم بشكل جماعي كما هو حاصل مع أسرى قطاع غزة أو تحت حجة «المنع الأمني» كما هو حاصل في الضفة الغربية، والإهمال الطبي، الخ.
وباختصار شديد تحولت السجون بمختلف أسمائها وأماكن وجودها إلى بدائل لأعواد المشانق، فبداخلها يجرى أبشع عمليات القتل الـروحي والنفسي والتعذيب الجسدي، وبداخلها يتم إعدام الأسرى بشكل بطيء.
وإدارة السجون تتفنن في ابتداع السبل والوسائل بهدف التضييق على الأسرى ومفاقمة معاناتهم، وتسعى جاهدة إلى استهداف كل جزئيات حياتهم الاعتقالية، من خلال تحديد ساعة النوم وفترتها، كمية الهواء وساعات التعرض للشمس، نوعية الغذاء وما يحتويه من قيمة غذائية وكمية السعرات الحرارية فيه، وتتدخل في لون الملبس ونوعيته...الخ. الأسرى يعيشون ظروفا مأساوية ولا إنسانية، ويتعرضون لمعاملة قاسية ومهينة وانتهاكات جسيمة تصل لدرجة الجرائم وفقاً للتوصيف الدولي، وهذا ما دفع الأسرى إلى التحرك والبدء بالتحرك النضالي ردا على مجمل الانتهاكات والجرائم التي لم تعد تطاق، كما لم يعد بالإمكان تحملها أو الصبر والصمت ازاءها، وأن هذه الحركة المتصاعدة بدأت منذ اسابيع عدة ومن خلال الإضرابات الفردية وتتطور وتتصاعد تدريجيا وصولا إلى الإضراب الجماعي والشامل.
مما يستدعي توحيد جهود الشعب الفلسطيني بكل فئاته وقطاعاته وفصائله ومنظماته، وتجنيد الرأي المحلي والإقليمي والدولي وتوسيع دائرة التضامن مع الأسرى ومساندتهم في اضرابهم ودعم حقهم بالعيش بكرامة على طريق تحريرهم جميعا. وعلى العالم أجمع أن يدرك أن الأمن لم ولن يتحقق يوماً في المنطقة إلا بالسلام القائم على العدل، الذي يبدأ بإنهاء الاحتلال وإطلاق سراح كل الأسرى وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
* أسير سابق وباحث في شئون الأسرى
حقائق عن الأسرى الفلسطينيين
أصدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ووزارة شؤون الأسرى والمحررين، بيانا صحفيا بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني الذي يصادف السابع عشر من ابريل من كل عام هذ نصه :
مازالت قوات الاحتلال الإسرائيلي ومنذ احتلالها للأراضي الفلسطينية في عام ١٩٦٧، تمتهن حق المواطن الفلسطيني في العيش الكريم، والحرية المتعلقة بالتنقل والحصول على أبسط الحقوق المدنية التي يكفلها القانون الدولي واتفاقيات حقوق الإنسان، تارة بالاعتقال وتارة بالقتل، وأخرى بالإبعاد عن وطنه.
٢٣ معتقلاً أمضوا أكثر من ٢٥ عاماً في السجون الإسرائيلية
تشير بيانات وزارة شؤون الأسرى والمحررين إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت منذ عام ١٩٦٧م حتى شهر مارس من العام الحالي نحو ٨٠٠ ألف حالة اعتقال. منذ بداية انتفاضة الأقصى هناك أكثر من سبعين الف حالة اعتقال. ويشار إلى وجود نحو٢٠٠٠ حالة اعتقال منذ ١٨/١٠/٢٠١١ «صفقة شاليط» بمعدل يزيد على عشر حالات اعتقال يومياً. كما تشير البيانات إلى ان ١٢٤ معتقلاً اعتقلوا ما قبل اتفاق أوسلو ومازالوا يقبعون داخل السجون الإسرائيلية، ومضى على اعتقال ٥٠ منهم أكثر من ٢٠ عاما، و٢٣ أسيراً أمضوا أكثر من ٢٥ عاماً.
نحو ٤,٧٠٠ معتقل وأسير لايزالون رهن الاعتقال في أكثر من ١٧ سجناً ومركز توقيف، منهم ٦ أسيرات، و١٨٥ أسيراً من الأطفال، و٢٧ عضو مجلس تشريعي. ويشار هنا إلى وجود أكثر من ٢٠ ألف أسير فلسطيني اعتقل إداريا منذ عام ٢٠٠٢ م لم توجه ضدهم أي من التهم بداعي ما يعرف بـ (الاعتقال الإداري)، منهم ٣٢٠ أسيرا مازال معتقلاً حتى الآن. كما تشير البيانات إلى وجود ٥٢٧ أسيراً يقضون أحكاماً مؤبدة، إضافة إلى ٨٢٢ معتقلاً موقوفاً بدون محاكمة حتى الآن.
٢٠١ أسير فلسطيني استشهدوا في السجون ومراكز التوقيف
بلغ عدد الشهداء من الأسرى ٢٠١ أسير منذ عام ١٩٦٧ بسبب التعذيب أو القتل العمد بعد الاعتقال أو الإهمال الطبي أو نتيجة استخدام الضرب المبرح أو الرصاص الحي ضد الأسرى، منهم ٧٦ أسيراً استشهدوا منذ أواخر عام ٢٠٠٠، وقد شهد عام ٢٠٠٧ أعلى نسبة لاستشهاد الأسرى داخل السجون الإسرائيلية حيث استشهد سبعة أسرى، خمسة منهم نتيجة الإهمال الطبي. وفي الفترة ما بين ١٩٦٧ وبداية انتفاضة الأقصى (٢٨ أيلول/ سبتمبر ٢٠٠٠) بلغ عدد الشهداء من الأسرى ١٢٥ شهيداً أي ما نسبته ٢٦,٢%من إجمالي الشهداء من الأسرى.
.
مقالات أخرى...
- كل الخيارات لا تخلو من مرارة صراع العسكر والإخوان في مصر.. مع من تقف القوى المدنية؟ - (21 يناير 2012)
- هل تنتقل شرارة الاضطرابات من سوريا إلى لبنان؟ - (20 أبريل 2012)
- مفكرون وحقوقيون يؤكدون: الثورة المصرية تسير بخطى بطيئة ولكنها نحو النجاح - (20 أبريل 2012)
- غرائب ما يحدث في لبنان.. احتفاء بعميد عميل لإسرائيل! - (19 أبريل 2012)
- مخاوف إسرائيلية من تحول سيناء إلى قنبلة موقوتة دعوات إسرائيلية للتوغل في سيناء واحتلالها - (18 أبريل 2012)
- بعد إعلان برقة إقليما فيدراليا مستقلا تحذيرات من تداعيات تقسيم ليبيا على الأمن القومي المصري - (18 أبريل 2012)
- خبراء يؤكدون: أعضاء البرلمان المصري يفتقدون الخبرة السياسية - (16 أبريل 2012)
- محللون إسرائيليون يدعون إلى التريث قبل توجيه أي ضربة عسكرية إلى إيران - (15 أبريل 2012)
- الانتخابات الرئاسية المصرية وأبرز المرشحين في دائرة الجدلانتقادات للإخوان المسلمين بسبب قرارهم بالترشح لانتخابات الرئاسة - (13 أبريل 2012)