تجدد التنافس التركي الإيراني على الشرق الأوسط
 تاريخ النشر : الاثنين ٢٣ أبريل ٢٠١٢
إسطنبول - من: أورينت برس
انطلاقاً من التجارب التاريخية، وحقبات الاستعمار والاحتلال والغزو، لطالما آمن الاتراك والفرس بحقيقة واحدة حيال منطقة الشرق الاوسط، تلخص مفهومهم لها الا وهي ان «هناك مكاناً في الشرق الأوسط لشاه واحد أو سلطان واحد، ولكن ليس لشاه وسلطان معاً»، هذه المقولة تعبر خير تعبير عن التنافس التركي الايراني المستمر منذ عقود غابرة للفوز بمنطقة الشرق الاوسط والتغلغل في ارجائها وفرض الهيمنة عليها للاستفادة من خيراتها وموقعها.
بناء على هذه الحقيقة التي اثبتها التاريخ، يرى المراقبون انه خلال السنوات القادمة، لن تكون المنافسة المهيمنة في الشرق الأوسط هي الصراع العربي الإسرائيلي أو التوترات الخليجية الإيرانية، بقدر ما هي تجدد المنافسة التركية الإيرانية إلى حد كبير يفوق التصور ويتشعب ليطول مختلف المرافق والقطاعات وليس السياسة فقط.
مع الاشارة إلى ان تركيا تقربت إلى إيران في السنوات الماضية وعقدت معها الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية والصفقات التجارية الضخمة التي درت الاموال على الطرفين، لكن كما هو معلوم فإن عيون القادة في البلدين تتركز ليس في المال فقط بل في الامساك بزمام السلطة والقوة في المنطقة.
«اورينت برس» راقبت هذه العلاقة التاريخية الملتبسة وكتبت ما يلي:
في الواقع أن المنافسة التركية الفارسية هي لعبة السلطة «الأقدم» في الشرق الأوسط، فبين القرنين الخامس عشر والعشرين، تحدى السلاطين العثمانيون والشاهات الفرس، الذين كانوا سلائف تركيا وإيران الحديثتين، بعضهم بعضا من أجل تحقيق الهيمنة الإقليمية وفرض سطوتهم على دول المنطقة لتوسيع حدود امبراطوريتيهم.
وبعد سقوط الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية وتخلي تركيا الحديثة عن الشرق الأوسط لصالح الغرب، بدا كأن هذه المنافسة قد انتهت. لكن في الآونة الأخيرة، تغيرت هذه الحقائق، وظهر في البداية أن سياسة تركيا الخارجية تجاه الشرق الأوسط تقرِب أنقرة من طهران، بيد أنه بعد أن أصبحت أنقرة الناهضة لاعبا قويا مرة أخرى في الشرق الأوسط، برزت في الواقع باعتبارها المتحدي الطبيعي للفاعل الشرق الأوسطي الرئيسي الآخر: إيران النووية الساعية إلى الهيمنة. وهكذا بدأ التنافس بين الطرفين يلوح في الافق من جديد وبقوة رغم كل اتفاقيات التعاون والشراكة، فما هو مخبأ تحت غطاء الدبلوماسية وتبادل الملاطفات، اكبر من ذلك بكثير.
منافسة شرسة
بناء على ذلك، أصبحت المنافسة التركية الايرانية مرة أخرى هي لعبة السلطة الرئيسية في المنطقة. لنأخذ على سبيل المثال منافستهما في العراق: فعلى الرغم من أن كلا من تركيا وإيران كانت قد عارضت حرب العراق في البداية، فان حقيقة دعمهما لمعسكرات متعارضة في الانتخابات العراقية المتعاقبة قد أعاد إشعال تلك المنافسة. واليوم تنظر أنقرة وطهران إلى بعضهما بعضا بحذر، فكلتاهما لا تريد أن تحظى الاخرى بمزيد من النفوذ في بغداد أو بسطوة كبيرة على الأكراد العراقيين.
والأهم من ذلك وصلت المنافسة التركية الايرانية إلى ذروتها بشأن سوريا، فأنقرة هي المعارض الإقليمي الرئيسي لقمع نظام الأسد للمتظاهرين بعدما كانت قد تحالفت معه في الماضي في محاولة منها لازاحة الايرانيين من موقع التحالف الاول مع الاسد. ومن الناحية الأخرى لا تقف طهران مع الأسد فحسب بل تحول الأموال إلى نظام البعث لكي يتسنى له مواصلة السياسة التي يتبعها في محاولة منها لضمان ان حليفها الاول في الشرق الاوسط لن يسقط والا تكبدت الخسائر الكبرى. والمفارقة الواضحة هي ان تركيا اختارت الانقلاب على الاسد بمجرد ان وجدت الفرصة لذلك، ربما لانها شعرت بأن لايران موطىء قدم اكثر منها في دمشق مهما حاولت فعله.
ذكريات قديمة
هذه هي التبعات الأكثر أهمية وربما تكون غير مقصودة إلى حد ما لتحول تركيا نحو الشرق الأوسط. حتى لو ظهر هذا التحول في البداية كأنه ينشئ محور أنقرة طهران، إلا أنه حقق في الواقع نتيجة عكسية ألا وهي إثارة المنافسة على الهيمنة الإقليمية وإعادة إحياء ذكريات قديمة قدم القرون.
ولطالما كانت تركيا وإيران حذرتين من بعضهما بعضا، فبعد شن حملات إضعاف ضد بعضهما بعضا على مدى قرنين تقريباً، استقر العثمانيون والفرس في عام ١٦٣٩على قيام سلام مشابه للحرب الباردة، فقد اتفقا على عدم التقاتل مباشرة لكنهما انخرطا بدلاً من ذلك في حروب الوكلاء لتقويض بعضهما بعضا، فعلى سبيل المثال تنافست الدولتان من أجل تحقيق النفوذ في العراق خلال القرن التاسع عشر واستغلتا الافرقاء هناك من دون تدخل مباشر.
وقد انحسرت المنافسة الأقدم في المنطقة فترة وجيزة في منتصف القرن العشرين عندما تحولت تركيا نحو الغرب اكثر وحاولت بعزم ان تدخل الاتحاد الاوروبي، لكنها بلا شك تركت فراغاً في الشرق الأوسط، وقد كان ذلك مفيداً لدرجة أن شاه إيران في ذلك الوقت تعاطف مع المهمة التحديثية لتركيا أتاتورك.
إلا أنه بعد الثورة الإسلامية في عام ١٩٧٩، عادت المنافسة التركية
الايرانية إلى الحياة مرة أخرى ونشطت على اكثر من صعيد. ومن وجهة نظر طهران، تطرح الثورة إيران وتركيا كنموذجين متناقضين كلية للشرق الأوسط: دولة دينية استبدادية مقابل ديمقراطية مؤيدة للغرب وعلمانية بصورة قوية. لكن ظهور تركيا كعملاق شرق أوسطي في ظل «حزب العدالة والتنمية» أكمل الحلقة من خلال تقديم أنقرة بصفتها المنافس الرئيسي الذي يقف أمام رغبة طهران في الهيمنة على المنطقة، كذلك فقد ازال حزب العدالة والتنمية إلى حد ما صورة تركيا العلمانية وحولها إلى دولة متعاطفة مع الاسلام والعرب.
قيادة اقليمية
والآن، بدءاً من العراق حتى لبنان ومروراً بسوريا، تعارض الدولتان بعضهما بعضا من أجل القيادة الإقليمية، وكان قبول أنقرة بتركيب محطات رادار على أراضيها كجزء من مشروع الدفاع الصاروخي لحلف شمال الاطلسي قد أشار إلى طهران بأن تركيا الشرق الأوسطية، المرتبطة بقوة بحلف الناتو، ربما تشكل تهديداً أكبر على المصالح الإيرانية من مجرد تركيا المؤيدة للغرب، وهو ما بدأت القيادة الايرانية تخشاه بحدة وتعد العدة لمواجهته.
وهنا تظهر مسألة حزب العمال الكردستاني ايضاً، فخلال العقد الماضي دفعت هجمات حزب العمال الكردستاني ضد تركيا وهجمات حزب الحياة الحرة في كردستان، الذي هو فرع من حزب العمال الكردستاني، ضد إيران، كلا من أنقرة وطهران إلى إجراء مناقشات أمنية مباشرة. غير أنه في الوقت الراهن أقامت إيران سلاماً مع «حزب الحياة الحرة في كردستان» وتشير التقارير إلى أنها أنقذت حياة قائد حزب العمال الكردستاني مراد قريلان من خلال «أخذه إلى الحجز» في الوقت الذي كانت فيه تركيا تقصف معسكرات حزب العمال الكردستاني في العراق. وتظهر إيران وتركيا أياديهما ببطء في لعبة السلطة الأقدم في المنطقة وتحرك كل منهما بيادقها بذكاء حتى لا يحصل التصادم الحاد او المباشر، وبالتالي تبقى المنافسة بينهما باردة وغير مباشرة.
في الشرق الأوسط هناك مكان لشاه واحد أو سلطان واحد، ولكن ليس لشاه وسلطان معا، تعود هذه الجملة بقوة إلى الاذهان اليوم، وليس هناك من مجال لدحضها، ويبدو أن أنقرة وطهران قد عادتا مرة أخرى إلى المنافسة التي طالت قروناً عديدة بينهما من أجل أن يصبح كل منهما القوة المهيمنة في المنطقة صاحبة اليد الطولى في اتخاذ القرارات وفي استغلال الثروات والافرقاء لصالح تحقيق اجندتها المتمثلة اولا في توسيع حدود الامبراطورية الحديثة.
.
مقالات أخرى...
- الرئيس التوافقي في مصر.. حقيقة أم وهم؟ - (23 أبريل 2012)
- يوم الأسير الفلسطيني.. معان ودلالات وأرقام أكثر من ٢٠ ألف أسير فلسطيني معتقلون بلا تهمة منذ عام ٢٠٠٢ - (21 يناير 2012)
- كل الخيارات لا تخلو من مرارة صراع العسكر والإخوان في مصر.. مع من تقف القوى المدنية؟ - (21 يناير 2012)
- هل تنتقل شرارة الاضطرابات من سوريا إلى لبنان؟ - (20 أبريل 2012)
- مفكرون وحقوقيون يؤكدون: الثورة المصرية تسير بخطى بطيئة ولكنها نحو النجاح - (20 أبريل 2012)
- غرائب ما يحدث في لبنان.. احتفاء بعميد عميل لإسرائيل! - (19 أبريل 2012)
- مخاوف إسرائيلية من تحول سيناء إلى قنبلة موقوتة دعوات إسرائيلية للتوغل في سيناء واحتلالها - (18 أبريل 2012)
- بعد إعلان برقة إقليما فيدراليا مستقلا تحذيرات من تداعيات تقسيم ليبيا على الأمن القومي المصري - (18 أبريل 2012)
- خبراء يؤكدون: أعضاء البرلمان المصري يفتقدون الخبرة السياسية - (16 أبريل 2012)