الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٤٧ - الاثنين ٣٠ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١١ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخبار البحرين

بمناسبة احتفال المملكة المغربية الشقيقة اليوم بعيد جلوس الملك:
المغرب: عيد العرش.. استمرارية مسار تاريخي





منذ ثلاثينيات القرن الماضي وفي خضم الكفاح من أجل إنهاء الاحتلال الفرنسي والإسباني بادرت القوى الوطنية لتنظيم أول احتفال بعيد العرش في المغرب الذي عاش منذ قرون تحت نظام حكم ملكي، تعبيرا عن التلاحم بين الشعب المغربي والمؤسسة الملكية ضد أي مساس بسيادة البلاد.

ومن هنا، شكل هذا الاحتفال لحظة تاريخية حاسمة على طريق الاستقلال والتحرر واسترجاع الشرعية. وبذلك، أصبح هذا الحدث برمزيته التعاقدية وبكل حمولاته وأبعاده منحوتا في ذاكرة الشعب.

ففي عشرينيات القرن الماضي وفي سياق مرحلة عصيبة اعتلى العرش المغفور له الملك محمد الخامس في نوفمبر ١٩٢٧ وعمره لا يتجاوز الثامنة عشر مؤمنا بحتمية انعتاق الشعب المغربي وكرامته.

وهكذا، لم يفوت أية فرصة للمطالبة بالحقوق المغربية في كل المناسبات المحلية والدولية بما فيها زيارته لمنطقة طنجة الدولية ولقاءاته مع رؤساء بعض الدول الوازنة كروزفلت وتشرشل خلال مؤتمر أنفا في ١٩٤٣ أي سنة قبيل تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال.

وبحكم المواقف الوطنية الشهمة للملك الراحل وتحديه لما يسمى بـ «المقيم العام» ممثل سلطات الاحتلال تم نفيه بمعية أسرته الشريفة الى كورسيكا ثم الى مدغشقر في ٢٠ أغسطس ١٩٥٣ وهو ما أدى الى إشعال ثورة الملك والشعب البطولية التي انتهت باستقلال البلاد في ١٩٥٦.

وبالروح نفسها، واصل المغفور له الملك الحسن الثاني الذي اعتلى العرش في ٣ مارس ١٩٦١ معركة استكمال صرح الاستقلال والوحدة الترابية الشاملة للمملكة، وعمل على بناء دولة عصرية تمزج بين تقاليد الحكم والموروث الأصيل ومتطلبات التطوير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ضمن نسق دستوري تعددي يمنع الحزب الوحيد، وذلك منذ أول دستور للبلاد في ١٩٦٢ الذي خضع لخمس مراجعات آخرها في ١٩٩٦ التي مهدت لتكوين أول حكومة تناوب توافق ديمقراطي.

كما عمل بحنكة وإصرار، بعد فترة الانكماش التي فرضتها ظروف الاحتلال، على إعادة الاعتبار للدبلوماسية المغربية بما يجسد ديمومة الدولة ودور المغرب المؤثر في محيطه.

ومن هذا المنطلق، كرس جهوده ومبادراته وأعماله لإعطاء المغرب مكانة دولية مرموقة كبلد مغاربي وعربي وإسلامي وإفريقي ومتوسطي مدافع عن المبادئ الأممية والشرعية الدولية ومناصر للقضايا العربية والإسلامية وخاصة قضية الشعب الفلسطيني والمحافظة على الذاتية الحضارية والروحية والعمرانية للقدس الشريف.

واليوم، واستمرارية لهذا المسار، يحتفل الشعب المغربي بعيد جلوس صاحب الجلالة الملك محمد السادس على عرش الدولة العلوية منذ تأسيسها في ١٦٣١، وهو يقدم بمنظوره التشاركي والتضامني نموذجا مميزا لمؤسسة ملكية - مواطنة داعمة لتوطيد دولة الحق والقانون وتحديث المجتمع المغربي بصورة متسقة مع خصوصيات المجتمع المغربي.

وهذا ما تجلى في إطلاق أوراش كبرى وتشييد بنيات تحتية ومشاريع ملموسة تتوخى النهوض بالمواطن والاستجابة لحاجياته في نطاق سياسة القرب التي انتهجها من خلال حرص جلالته الدؤوب على معاينة أحوال المواطنين ومحاربة التهميش والاقصاء والفقر وخاصة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وكذا متابعة مخططات تنمية قطاعات حيوية كالفلاحة والري والصناعة والسياحة والطاقات المتجددة.

وهذا ما تجلى كذلك في إصلاحات هيكلية وحقوقية ومجتمعية وثقافية غير مسبوقة من أجل بناء مجتمع أكثر تماسكا وتوازنا، مجتمع متصالح مع الماضي، ينعم فيه الجميع بمواطنة حقيقية في إطار من الالتزام والحكامة الجيدة والتخليق.

ويبقى أن الدستور الجديد المصادق عليه في يوليو ٢٠١١ يعد تحولا عميقا في الحياة السياسية ومحطة نوعية في مسيرة البناء الديمقراطي من حيث إعادة التوازنات وتحديد الصلاحيات بين السلطات الدستورية، وتوطيد تنوع مقومات وروافد الهوية المغربية الموحدة وفي صلبها الثقافة واللغة الأمازيغية، وإرساء دعائم الجهوزية، والارتقاء بسلطة القضاء، وحماية منظومة حقوق الإنسان وضمان كرامة الفرد وإرساء آليات للمراقبة والمحاسبة.

إن الإصلاح الدستوري المعلن عنه في الخطاب التاريخي ليوم ٩ مارس ٢٠١١ جسد البعد الاستباقي وحيوية الفكر السياسي لجلالة الملك محمد السادس، في عالم متغير وفضاء إقليمي متحول، الهادف إلى تيسير انخراط المغرب القوي في دينامية متطورة في إطار من التوافق والتعبئة والثقة في استشراف مستقبل واثق للشباب والأجيال الصاعدة.

وعلى المستوى الدبلوماسي، يعمل جلالة الملك بنفس المقاربة التشاركية على ترسيخ وحدة وسيادة البلاد وتحصين المكتسبات في ضوء المبادرة المقدامة للحكم الذاتي واعتمادا على إجماع وتعبئة كل القوى الوطنية التي تعتبر ان قضية الوحدة الترابية غير قابلة للمساومة وفوق كل الاعتبارات.

كما يتطلع المغرب وفق دوائر محددة وأولويات واضحة لتقوية علاقاته كعضو فاعل في المجموعة الدولية، ومسهم في حفظ السلام والأمن متطلع لتنويع وتكثيف شراكاته في فضاءاته الجيو – استراتجية وخارجها.

وبنفس العزيمة، يتطلع المغرب بقيادة جلالته بأمل وثبات وأناة لبناء الاتحاد المغاربي كخيار دستوري ومطمح شعبي لدول المنطقة الخمس وفق منظور جديد، وتقوية علاقات التعاون والتضامن مع البلدان الإفريقية وتعزيز روابط الجوار مع الفضاء الأورو- متوسطي.

وبصفته رئيسا للجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي يسعى جلالته وفق رؤيته الرصينة والمتبصرة للعمل الميداني لدعم الساكنة المقدسية وحماية مدينة القدس وذاتيتها الروحية والحضارية، بعيدا عن الشعارات الجوفاء، بارتباط وثيق مع الدفاع عن قضية الشعب الفلسطيني العادلة.

ونحن نحتفل بهذا العيد المجيد، بروح الوفاء المتجدد، أتوجه بخالص عبارات الإجلال والتقدير لمملكة البحرين الشقيقة على مشاركتها أفراح الشعب المغربي متطلعين لتوطيد التضامن المتين وتحقيق مزيد من التعاون المثمر في جميع القطاعات في ظل التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس وأخيه صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظهما الله.











.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة