الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤٩ - السبت ١٤ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٠ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخبار البحرين

خطيب جامع الخالد:

إصلاح ذات البين أفضل عند الله من الصيام والصلاة والصدقة





في خطبة الجمعة بجامع الخالد قال فضيلة الشيخ عبدالله بن سالم المناعي:

من نعم الله سبحانه وتعالى أن هيأ لهذه البلاد قادة يتسمون بالحكمة والإدراك التام لكل تلك المخاطر والمحن التي مرت بها بلادنا والحرص كل الحرص على تلافيها ومعالجتها بالجهود والكفاءة والإخلاص ووقوف هذا الشعب وقفة رجل واحد، حيث استطاع ان يلفت انظار العالم إلى صموده وشجاعته بالدفاع عن وطنه وولاءه لقيادته.. ولعل ما نلمسه في هذه الايام مبادرة إلى إطلاق وثيقة المصالحة الوطنية لجميع فئات المجتمع وشرائحه.. نعم انه عمل وطني نباركه، فينبغي للعلماء سنة وشيعة التحرك السريع لبذل التوجيهات والنصائح وتبادل الزيارات بمناطق ومدن ومجالس البحرين كلها لتوحيد الصف ولمّ الشمل لان مما ينفطر له القلب اصابة كثير من ابناء بلادنا بآفة التفرق والخلاف وامتلاء الصدور بالعداوة والبغضاء بعضهم تجاه بعض.. لذا قال سبحانه وتعالى في محكم كتابه العظيم: «وأصلحوا ذات بينكم» (الانفال ١) اي اتقوا الله في أموركم واصلحوا فيما بينكم ولا تظالموا ولا تخاصموا ولا تشاجروا.

كما جاء في الحديث الشريف عن ام الدرداء عن ابي الدرداء رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟» قالوا: بلى قال: «إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة - أي تحلق الدين». رواه ابوداود في سننه.. ففي الحديث دلالة على عظم مكانة اصلاح ذات البين في المجتمع المسلم حتى انها تفوق في المنزلة عند الله مقام الصيام والصلاة على ما فيهما من درجات عليا. حيث إن الصلاة والصيام والصدقة فائدتها تعود على صاحبها بالاجر والثواب، اما اصلاح ذات البين ففائدته تعود على الفرد بالاجر والثواب لفاعله والقائمين فيه بالاجر والمثوبة، وعلى المجتمع بالائتلاف ولمّ الشمل وتوحيد الصف لفاعله والقائمين به والدعوة إليه، ويستمد منه قوة التلاحم والترابط للمجتمع المسلم.. عباد الله هناك من يتعصب لهواه وهذا مما ابتلي به المسلمون في الآونة الاخيرة، فتنة التعصب للآراء والاشخاص تعصبا أعمى بحيث يتشبث المرء بكل ما يصدر عمن يتعصب لهم من آراء، سواء كانت موافقة للحق او مجانبة له، وفي المقابل يرفض كل من سواهم ويرد جميع ما لديهم من آراء واجتهادات وان كانت موافقة للحق الا انها مخالفة لآراء الاشخاص الذين يتعصب لهم نسأل الله السلامة.

ومن جهة أخرى أيها الاحباب هناك من يتعصب لهواه، فمن وافقه في أقواله قبل منه وأثنى عليه ونشر محاسنه بين الناس، أما من عارض هواه ومن قال بما يخالف ذلك الهوى من الناس فإنه يرد ما معه وإن كان حقا ويذمه ويقلل من شأنه بينهم، فنسأل الله العافية لان التعصب واتباع الهوى صفتان ذميمتان تدلان على قلة فهم صاحبهما وفقهه وبصيرته. ان المؤمن الحق يتجرد من الهوى ولا يتعصب الا للكتاب والسنة ويأخذ بالحق من اي انسان طالما اتبع الدليل، وهذا منهج أهل السنة والجماعة.

نعم أيها الاخوة الكرام.. فاذا تجرد المسلم من كل هوى في نفسه سهل عليه بعدئذ تقبل الحق من اي انسان وان خالف كثير مما يراه.

ويقول الله جل وعلا: «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب»، (الزمر ٩). فمتى خرجنا عن بيان أهل العلم إلى بيان أهل الاهواء وأهل الضلال أمعنا في الضلال والخطأ، واننا اليوم نسمع ونقرأ في وسائل الاعلام المختلفة أقوال من يتكلمون في أمور الدين وأمور الغلو والتساهل وهم لا يحسنون القول في ذلك، إما عن قصد سيئ واما عن سوء فهم يقولون بحسب أهوائهم «ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون» (المؤمنون ٧١)، فيصفون التمسك بالدين بانه تشدد، ويصفون المتمسكين بالدين وبالعقيدة الصحيحة بأنهم متطرفون وغلاة.. وهكذا.

فالغالي يرى ان المعتدل متساهل والمتساهل يرى المعتدل غاليا ومتشددا، والحمد لله ان الله لم يجعل هؤلاء ولا هؤلاء هم الذين يحكمون في هذا الباب وتقبل أقوالهم، وانما وكله الله إلى العلماء الراسخين المعتدلين في حكمهم على ضوء الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، لأن الحكم بالغلو أو بالتساهل حكم شرعي تترتب عليه آثاره فلا يتولاه كل من هب ودب بحسب هواه، لان ذلك قول على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم او بهوى، والعلماء ــ ولله الحمد ــ قد بينوا هذا ووضعوا ضوابطه قديما وحديثا في كتب العقائد وفي كتب الفقه، والواجب ان يقرر ويدرس هذا الحكم الشرعي بضوابطه للطلاب في المدارس وحلق العلم.. وان يتولى تدريس ذلك علماء أتقياء معتدلون ناصحون حتى يقضى على هذه الظاهرة المخيفة، وان يبعد المدرسون الذين ينشرون هذه الظاهرة التي انتشرت بين الطلاب وهي ظاهرة الانقسام والحزبيات والتراشق بالكلام والتهم لاهل العلم الا من يوافق أهواءهم، وكذلك يقضى على الظاهرة المنتشرة في الفضائيات والشبكات العنكبوتية والصحف والمجلات من وصف المتمسكين بالدين بالغلاة والمتشددين والمتطرفين حتى وصل الامر إلى وصف الائمة المصلحين بالغلو والتطرف، وإن لم يبادر إلى اجتثاث هذه الظاهرة من وسائل الاعلام بسرعة فسوف يكون لها عواقب وخيمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة